ليست هي المرة الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة التي تغرس فيها "أونروا" خنجرها في جسد اللاجئ الفلسطيني النحيل؟! بيد أن الأوصياء على هذه المؤسسة الأممية تعمّدوا أن تكون هذه الطعنة في منطقة من مناطقها الخمس معتقدين أنها الخاصرة الرخوة لشعبنا الفلسطيني حيث قطاع غزة المنهك بعد ١٢ عاما من الحصار الظالم؟!
لم يعد خافيًا على متابع سلوك "أونروا" والثلة المتحكمة بقرارها عبر الدعم الذي بات مسيَّسًا ومشروطًا بمحاولات تركيع وإخضاع شعبنا الفلسطيني تارة، وشطب حقوقه وفي مقدمتها حق العودة تارة أخرى؟! خطوات "أونروا" التصعيدية ضد اللاجئ الفلسطيني في ازدياد مضطرد، وقد قلنا بعد كل خطوة أنها تندرج ضمن سياسة الخطوة خطوة للوصول إلى الهدف الذي تنشده الجهات القابضة على أدوات صنع القرار فيها.
حجم التصعيد بدا واضحًا وجليًا منذ مجيء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث ترجمته عدة قرارات في مقدمتها قرار خفض الدعم، فقد أعلنت الولايات المتحدة، أكبر مساهم في "أونروا"، يوم 16 يناير كانون الثاني من هذا العام أنها ستحجب 65 مليون دولار من أصل 125 مليون دولار كانت تخطط لإرسالهم إلى الوكالة.
بلا أدنى شك يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والاتحادات والنقابات الفلسطينية والعربية والدولية مسؤوليات كبرى ومهام جسام تجاه سلوك "أونروا"، يتطلب أن تعكسه تحركات ووقفات ومواقف حازمة.
ومن المعلوم أن "أونروا" تحصل على تمويلها بالكامل تقريبًا من مساهمات تطوعية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وكان سبق ذلك الإعلان تغريدة على تويتر في الثاني من يناير كانون الثاني قال ترامب فيها إن واشنطن تمنح الفلسطينيين ”مئات الملايين من الدولارات سنويا ولا تنال أي تقدير أو احترام“. وأضاف ”في ضوء أن الفلسطينيين لم يعودوا مستعدين للمشاركة في محادثات سلام، فلماذا نقدم أيا من تلك المدفوعات الكبيرة لهم في المستقبل؟“ وهي من دون شك إشارات واضحة لا تخلو من كذب وتدليس وخداعاستبق فيها قرارات إدارته المجحفة.
وفي حينها أبدى رئيس الوزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تأييدًا للخطوة الأمريكية. وكان نتنياهو قد دعا إلى خفض تدريجي في تمويل "أونروا" ونقل مسؤولياتها للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ساعيًا من وراء تلك الدعوة إلى إهالة التراب على الأونروا ودورها مرة واحدة وإلى الأبد. ومعززًا ذلك بفرض قيود صارمة على حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود مع قطاع غزة، وليست ببعيد عنا خطوة إغلاق معبر كرم أبو سالم.
إلا إنه ومع الأسف تشترك السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية وكذا الكيان الصهيوني في الانقضاض على جسد غزة، وهو أمر محزن، لا بل معيب ومخجل، فلا يمكن أن نطالب بالخلاص من الاحتلال وانتهاكاته أو بالتخلص من قرارات الولايات المتحدة الأمريكية في ظل عقوبات السلطة الفلسطينية على قطاع غزة؟! في معرض طرح الحلول، لابد من تحرر "أونروا" وانعتاقها من سيف الابتزاز المسلط عليها عبر الدعم المشروط، وهناك ضرورة لتخصيص ميزانية لها من الأمم المتحدة مباشرة، وإلى حين أن يتحقق ذلك لا يمكن إعفاء الدول العربية والإسلامية من مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين؛ حيث يتوجب عليهم تشكيل شبكة أمان مالية عاجلة وسريعة عبر استجابة ملحة لمتطلبات واحتياجات مشاريع وبرامج "أونروا".
وبلا أدنى شك؛ يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والاتحادات والنقابات الفلسطينية والعربية والدولية، مسؤوليات كبرى ومهام جسام تجاه سلوك الأونروا يتطلب أن تعكسه تحركات ووقفات ومواقف حازمة حتى التراجع عن هذا السلوك.
كما لا ينبغي الاكتفاء بالتلويح بانعكاسات وخطر خطوات الأونروا التصعيدية على المنطقة وحسب؛ بل هناك حاجة لحراك تقوده الدول الحريصة على عدم تفجر الأوضاع، وكذا من يقع على عاتقها رئاسة "أونروا" في هذه الفترة، وفي القلب منها تركيا لوقف هذا التدهور ومنع الوصول إلى حافة الهاوية؟!
باختصار.. هي مجزرة بكل ما تعني الكلمة من معنى خلّفت كارثة إنسانية وخدماتية عبر مقصلة جلاد سيبقى أنين ضحاياها وحشرجات أصواتهم تطرق مسامع هذا العالم الأصم الأعمى، لتشكل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.