فلسطين أون لاين

​الشاب "عسلية".. صياد الأفاعي الذي لا يخشى ترويضها

...
غزة - أدهم الشريف

ما إن أخرجها من حاوية زجاجية محكمة الإغلاق حتى بدأت أفعى "أبو السيور" أو ما تعرف بـ"الزاروق"؛ تتلوى بقوة محاولة التملص من يد مروضها الشاب عبد الفتاح عسلية.

لكن أسرع أفعى في الشرق الأوسط كما يقول، لم تتمكن من الإفلات من قبضته المحكمة. لقد كان يعرف جيدًا كيف يمسك بها ويروضها ويجعلها تحت سيطرته.

وعندما هدأت "أبو السيور" معتدلة السم، عن محاولات التملص، بدأ عسيلة (31 عامًا) يتحسس جلدها الناعم كما لو أنه يحمل وردة مزهرة.

بدا سعيدًا وهو يقوم بذلك قبل أن يعيدها إلى الحاوية وتتلوى على نفسها من جديد.

وأبو السيور ليست الأفعى الوحيدة من استطاع عسلية ترويضها، فلديه أنواع كثيرة يأويها في غرفة مخصصة داخل بيته الكائن شرق جباليا شمالي قطاع غزة.

وأتاح له السكن هناك الانطلاق في البرية مترامية الأطراف وصيد الأفاعي والإمساك بها، السامة منها ومعتدلة السم وغير السامة أيضًا.

"يتصل بي مواطنون ويطلبون المساعدة للتخلص من أفاعٍ تداهمهم دون سابق إنذار، فأسارع لصيدها والاحتفاظ بها.." يقول عسلية وقد علَّق على عنقه أفعى العربيد سمراء اللون، يقارب طولها المترين.

ويحتفظ بخمس أفاعي من هذا النوع تختلف ألوانها وأطوالها باختلاف عمرها ومراحل حياتها.

ويذكَّر جيدًا كيف حاول تخليص إحدى العائلات من عربيد بعد أن اقتحم بيتها في شمالي القطاع، وكيف قام أحد أفراد العائلة بقتله بعد أن نجح عسلية في اصطياده.

"كنت أتمنى أن يبقى على قيد الحياة. كان طوله يقارب مترين ونصف، وهذا من النادر وجوده في غزة" يقول عسلية؛ وبدا آسفًا.

واستطاع عسلية صيد 15 نوعًا مختلفًا من الأفاعي من أصل العشرات من الأفاعي التي تعيش في فلسطين.

وأخطر الأفاعي التي اصطادها خلال مهمات قام بها في مناطق متفرقة من محافظة الشمال أفعى فلسطين؛ القادرة على قتل إنسان بالغ بسمها.

ويقول إنها قادرة على ذلك حتى لو كانت مولودة حديثًا بطول 20 سنتمتر، أو بالغة بطول 135 سنتمتر كأقصى حد لها.

لكن عسلية لم يعد يملك أي واحدة منها بعد أن ماتت آخر أفعى لديه من هذا النوع، لعدم ملاءمة أجواء المكان لطبيعة الأفعى التي تنتشر في ربوع فلسطين.

ولذلك، احتفظ بها جثة هامدة بعد تحنيطها، وبات يستخدمها في الشرح لزواره ويحذرهم من خطورة لدغتها.

ويهوى عسلية الصيد منذ أن كان صغيرًا، فعندما بلغ 12 عامًا من عمره كان يركض خلف السحالي والحرادين باختلاف أحجامها وأشكالها،حتى الامساك بها.

وبمرور الوقت، أصبح صياد أفاعي لا يشق له غبار.

"كنت أعتقد أن جميع الأفاعي سامة، لكن من خلال تربيتها اكتشفت أنها كائنات جميلة.

وتبدو لدغات الأفاعي واضحة في كفي الشاب وعلى ساعديه، وقد تركت ندبات حمراء عليها وآثار أنيابها التي كانت تغرسها بجسده في كل مرة تلدغه وتهاجمه.

لكنه لا يبدو آسفًا على ذلك بقدر ما بدا راضيًا ومصرا على صيد الأفاعي وترويضها.

ولأجل ذلك استخدم كمبيوتر محمول وأنشأ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، للتعريف بأنواع ومواصفات الأفاعي التي أمسك بها.

وقد أصبح هذا الأمر لدى عائلته طبيعيا إلى أبعد الحدود، حتى أنه يطلق الأفاعي غير السامة أو معتدلة السم بين أطفاله أحيانًا للهو معها بعض الوقت.

وهذا الشاب، ليس لديه أي إمكانيات لتربية الأفاعي بغزة وتزويدها بما تحتاجه لإبقائها على قيد الحياة سوى غرفة صغيرة مسقوفة بالزينكو، وبعض الحاويات الزجاجية والبلاستيكية المخصصة لمبيت الأفاعي بداخلها.

وهذا المكان هو المفضل لعسلية الذي يقضي بداخله ساعات طويلة وهو يتأمل الأفاعي الأسيرات.

إلا أنه يبدو خائفًا من أي مكروه يلحق بهذا النوع من الكائنات من ذوات الدم البارد بفعل استمرار أزمة الكهرباء، وعدم قدرته على توفير إضاءة حرارية مخصصة في مسكن الأفاعي.

ويقول إنه قطع عهدًا على نفسه أن يستمر في تلبية نداءات المواطنين المتأذين من الأفاعي والمتضررين منها كذلك لصيدها وإبعادها عنهم.

ليس ذلك فحسب، لقد أصبح بإمكان أي شخص التقاط السيلفي مع أفاعي عسلية، وليس على من يرغب بذلك سوى الذهاب إلى بيته واستئذانه لإخراجها من حاوياتها.