فلسطين أون لاين

​شكرًا للصديق الذي ظهر في وقت المِحَن

...
غزة - صفاء عاشور

صداقة ظهرت في وقت المحنة وأي صداقة وأخوة تلك التي لن تكتمل ما دامت قائمة على العطاء دون مقابل، وهذا ما قدمه رامي عبده لظريف الغرة عندما وقف بجانبه في أصعب الظروف التي مرّ بها في حياته.

ظروف قاسية اجتمعت معًا عند ظريف الغرة ذلك الشاب الذي أصيب برصاصات الاحتلال الأمر الذي استدعى سفره وحيدًا لتلقي العلاج إلى الأردن، ليرسل الله له صديق يسانده في أقسى الظروف التي مرّ بها.

رسالة شكر يسطر ظريف حروفها بيده ولكنها بكل تأكيد نابعة من قلبه ليقول فيها –والحديث على لسانه-: "ولأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس, ومن باب ذكر الفضل لأصحاب الفضل, الذين تركوا بالغ الأثر في النفس والقلب والحياة".

عبر نفحات النسيم وأريج الأزاهير وخيوط الأصيل، يسرني ويسعدني بل ويشرفني ويطيب لي أن أتقدم برسالة أبعثها مليئة بالحبّ والتقدير والاحترام، فلو أنني أوتيت كلّ بلاغة، وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر، لما كنت بعد القول إلّا مقصرًا ومعترفًا بالعجز عن واجب الشكر من الأخ الحبيب د. رامي عبدو.

رامي الذي كان شمعة ينير درب المغتربين، ويأخذ بأيديهم ليقودهم إلى برّ الأمان متجاوزًا بهم أمواج الألم والمعاناة والغربة، فما زلت حتى يومنا هذا أذكر تلك المواقف الرجولية والأخوية التي عايشتها مع أخي رامي.

خاصة حين كنت أمكث في مشافي الأردن لتلقي العلاج بعد أن أصابتني رصاصات الغدر الصهيونية, وكنت قد سافرت من غزة دون مرافق شخصي يعينني على مشاق السفر والعيش في الغربة العلاجية، حيث وصفت إصابتي حينها بشديدة الخطورة.

ولم أجد في غربتي معينًا بعد الله سوى أخي رامي, الذي كان طالبًا حينها في الجامعات الأردنية، الذي كان خير سند ورفيق ومرافق ومعين بعد الله, فلم يتركني وحيدًا للحظة حتى في غرفة العناية المركزة, وكان بمثابة عائلة ثانية تعيش معها يومك وتشارك فيها تفاصيل حياتك.

وكان له الدور الكبير في الدعم النفسي والمعنوي لي حيث شاركني الأوقات الصعبة وشد من عزمي وقوتي لأتخطى معاناتي الجسدية والغربة عن الأهل والأحباب، فمنحني شعورًا بالأمان والود والدفء فلم يشعرني بالوحدة أبدًا.

ما زلت أذكر أنه كان كثير الشجار مع إدارة المشفى وخاصة غرفة العناية المركزة, بهدف الدخول لجانبي ليمكث معي في غرفة العناية المركزة أطول فترة ممكنة, وهذا ما كانت ترفضه إدارة المشفى، فلا يوجد في غرف العناية المركزة أي مرافق حسب النظام.

وأذكر أنني كنت أنام وأصحو وأجده بجانب السرير ممسكًا بكتبه الدراسية, أي أنه كان يفضل الدراسة ومراجعة المقررات الجامعية بجانبي على أن يمارسها في البيت، وأذكر أنه كان قد أتي بكل أصدقائه في الجامعة ليعرفهم عليّ, وقد عملوا فيما بينهم نظام "الشفيتات" لمرافقتي في المشفى, البعض يذهب للجامعة والآخر يبقى عندي.

وأذكر يوم أن قررت إدارة المشفى وقف خدمة الاتصالات عني, وحينها لم أكن أتصل سوى على منزل رامي ورفاقه, حينها استغرب رامي عدم اتصالي عليه, وعندما أخبرته بقرار إدارة المشفى جن جنونه وكاد أن يضرب المسؤول عن ذلك, وتدخلت إدارة المشفى وقدمت اعتذارًا لي ولرامي عمّا حصل.

وأذكر حين حضر الأطباء لإجراء عملية منظار لي, لم يحتمل رامي مشهد الألم الذي كنت أتألمه حينها وبقي على باب الغرفة منتظرًا, وفور انتهاء العملية كان بجانبي ودموعه في عينيه.

أذكر وأذكر وأذكر.. هي ذكريات تبقى محفورةً داخلنا، تذهبنا لعالم جميل نتذكّر فيه أجمل اللحظات، حتى وإن كانت مؤلمة يبقى لها رونق خاص بالقلب.

أخي الحبيب د. رامي:

شكرًا مجددًا لكم على ما قدمتموه لي من أحاسيس نابعة من قلوبكم، وأدام الله عزّكم وأدام عطاءكم.

فإنّ الكلمات لتعجز عن شكرك يا صديقي.. ولو قدمت لك كل الورود التي في العالم لن أستطيع شكرك على مجهودك وتعبك معي وجعلي من أنجح الناس وفخر بين الجميع, أتمنى أن تبقى شمعة تنير درب كل من يعرفك فما أجمل العيش بين أناس احتضنونا بإخلاص.