الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه
وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
دعونا نتوقف عند لفظة " بادروا " حيث وردت في أكثر من حديث لرسول الله صلى الله عليه
وسلم منها قوله «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا،
وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم في صحيحه.
وقال صلى الله عليه وسلم «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ،
أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ
أَدْهَى وَأَمَرُّ» رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
فما معنى المبادرة؟ هي من بدرت الشيء أبدره بُدورًا إذا أسرعت، ومنه تبادر القوم أي
تسارعوا. والمعنى أسرعوا إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها. فهي تتناسب مع قوله تعالي:
"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران: 133].
وتتناسب مع قوله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]، ومع قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148].
ومع قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].
فرمضان فرصة ذهبية للتنافس، والتسابق، والمسارعة والمبادرة، فإياك أخي الحبيب أن تفوت
أو تضيع هذا الكرم الرباني وهذه المنحة الإلهية.
فالتأني وعدم الاستعجال أمر مطلوب إلا في عمل الخير، فلا تسوف أو تؤخر أو تتراخى أو
تترك مجالًا للشيطان ولذلك يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا فِي
عَمَلِ الْآخِرَةِ» صححه الألباني.
بل كثف الطاعة والعبادة في هذا الشهر الكريم فإذا كنت تقرأ صفحة واحدة من المصحف فاقرأ
صفحتين، وإذا كنت تقرأ جزءًا فاقرأ جزأين، وهكذا ضاعف الأعمال الصالحة حتى لا تندم يوم
القيامة حيث يُرْوًى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ» قَالَوا: وَمَا
نَدَامَتُهُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ يَكُونَ نَزَعَ".
ولقد اجْتَهَدَ الصحابي الجليل أبو موسى الأَشْعَرِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَادًا شَدِيْدًا، فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ أَمْسَكْتَ وَرَفَقْتَ بِنَفْسِكَ! قَالَ: إِنَّ الخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا، أَخْرَجَتْ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهَا؛ وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ (سير أعلام النبلاء 2/393).
أخي الحبيب، أخرج كل ما عندك من طاقة وجهد في طاعة الله تعالى في هذا الشهر الكريم لعلك تكون من الذين غفر الله تعالى لهم ذنوبهم وأدخلهم الله تعالى الجنة من باب الريان.
أسال الله تعالى أن أكون وإياكم ممن يستغلون ويستثمرون هذا الشهر الكريم أفضل استثمار
وممن يدخلون الجنة من باب الريان.
والحمد لله رب العالمين.