فلسطين أون لاين

​سوزان تفتقد ضحكات بكرها محمد

...
القدس المحتلة / غزة - أسماء صرصور

"يمّا أنا قضيت رمضان السنة هاي معكم، بس السنة الجاي مش حكون معكم" رد محمد بهذه الجملة على والدته وهي "تلاكشه" في رمضان الماضي، لعلها تقنع ابنها البكر بأن تخطب له ابنة الحلال لتفرح له.

وقف قلبها عن خفقاته وانسحبت إلى المطبخ لتجهز الإفطار، فمحمد دومًا يتحدث عن الشهادة، لكن وقع كلامه هذه المرة أشعرها أن الأمر مختلف، ليلحق بها ضاحكًا ليضحكها، ويسألها: "يمّا لو استشهدت شو حتعملي؟"، فردت: "يعني شو بدي أعمل؟!"، فأجابها: "متلك متل كل أمهات الشهداء بتبكي عليّ بس ربنا حيصبرك".

سوزان أبو غنام والدة شهيد جمعة الأقصى الثالث محمد أبو غنام تروي لـ "فلسطين" فقدها لبكرها في أول رمضان لها دون الصديق والابن وضحكة المنزل.

محمد حسن أبو غنام (عشرون عامًا) ارتقى شهيدًا على مدخل بلدته "الطور" شرق القدس المحتلة، عقب مواجهات مع الاحتلال في 21/7/2017م، لينضم إلى الشهيدين محمد شرف من بلدة رأس العامود (جنوب شرق المدينة) ومحمد لافي من بلدة أبو ديس.

بعد أقل من ساعة على ارتقائه شهيدًا شُيّع جثمان محمد، بعد أن هُرّب من فوق أسوار مستشفى المقاصد الواقع في بلدة الطور، خشية احتجاز الاحتلال له، إذ طوق المشفى واقتحم قسم الطوارئ، ليوارى الثرى دون أن تستطيع والدته أن تقبله وتحتضنه آخر مرة.

تقول أم محمد: "زينة جبل الزيتون هذا العام افتقدت محمد، ففي كل عام وليلة استقبال شهر رمضان يتأخر مع شباب البلدة لتزيينه بزينة الشهر الفضيل"، مبينة أنه يذهب مع الشباب إلى تقديم المساعدة لأصحاب البيوت الفقيرة.

"سأفتقد محمد وهو يدلف إلى المنزل وقت الإفطار حاملًا عصير التمر، ومائدة الإفطار التي كان يزينها وجوده، حتى وقت السحور سأفتقده وأنا أذهب إلى سريره لأوقظه فلا أجده" تضيف سوزان، متابعة: "وبعد التراويح كان يعود إلى المنزل ويسألني: يمّا جهزتي القطايف؟".

وتشير إلى أن محمد كان من اللجان المنظمة والمرتبة للصلاة في المسجد الأقصى، فيعمل على تسهيل أمور الصائمين والمصلين في الأقصى، ويساعد في حملات تنظيف باحاته.

وتلفت إلى أن محمد كان يقضي رمضان ما بين قراءة القرآن الكريم والصلاة في المسجد الأقصى، وفي النشاطات الاجتماعية، وفي مساعدة الناس على صغر سنه، مشددة على أن كل حياته القصيرة العمر كانت عطاءً كبيرًا لكل من حوله بأعماله وأفعاله الكبيرة.

قليل من الصمت ساد محادثتنا، لتكمل سوزان القول: "محمد لم يكن مجرد ابن، بل كان الأخ والصديق والحبيب، فمن الصعب عندما نفقد إنسانًا يحمل كل هذه الصفات أن نستعيد كل الذكريات معه دفعة واحدة، لأن المواقف تكون كثيرة جدًّا، أكثر من أن تعدّ، فمحمد ضحكة البيت التي غابت بغيابه".

وتحدثنا عن الجدول اليومي لمحمد في رمضان، بقولها: "أحيانًا كان يتسحر في المنزل، أو في المسجد الأقصى مع أصحابه، ويصلي الفجر حاضرًا ويعود إلى النوم قبيل موعد جامعته، وإن لم يكن له دوام جامعي ينام حتى الظهر".

تتابع: "يصلي الظهر، ويخرج إلى النادي لممارسة الرياضة ويعود قبيل أذان المغرب، ويتناول الإفطار، ثم يذهب لأداء صلاة التراويح، ويشارك في حملات النظام والتنظيف في الأقصى"، مضيفة: "في حال تنظيم البلدة فعاليات رمضانية ليلية مثل استعراض الكشافة أو فعاليات للأطفال كان محمد يشارك فيها".

أخيرًا سوزان التي حرمت وداع جثمان بكرها الشهيد تقول: "سأستمر على النهج نفسه الذي سار عليه محمد في عمل الخير، فأخته ستشارك عوضًا عنه في فعاليات النظام في أثناء أداء الصلوات في المسجد الأقصى، وأما زينة الشهر الفضيل فأصحابه لم يقصروا بوضع اللمسات نفسها التي كان يحب".