في أحد اجتماعات أولياء الأمور الدورية التي تعقدها المدرسة التي أعمل فيها كمعلمة، جلست إلى جواري امرأة وبعد حوار قصير عرفت أني أعلم ابنتها, وشرعت تخبرني كيف أنابنتها لا تحب الدراسة ولا تستمع لإرشاداتها ونصائحها, وطلبت مني مساعدتها لرفع مستوى تحصيل ابنتها الدراسي وحافزيتها للتعلم.
ورغم استغرابي لفقدان هذه المرأة لدورها كأم، وتقبلها لتمرد ابنتها وكأنه خارج عن السيطرة, استفسرت عن روتين ابنتها اليومي لعلي أنصحها بشيء يفيد الفتاة, فلم أتفاجأ عندما أخبرتني بكل أريحية أن ابنتها مدمنة على مشاهدة الدراما الهندية, حيث تقضي جل يومها في متابعة المسلسلات والأفلام الهندية.
وبالنظر للوضع السيء الذي تعيشه مدينتنا المحاصرة فإن الفتاة تعكف على التفكير في توفير بطاقات الإنترنت التي لا تحتاج لاشتراك وتحرص على شحن الأجهزة الخلوية خلال ساعات وصل التيار الكهربائي القليلة وينتهي يومها بانتهاء شحنة الهاتف أو انقطاع التيار الكهربائي عن التلفاز.
وبرغم أن هذه ظاهرة فقدان السيطرة لمستها كثيراً بين الأمهات إلا أن ما أذهلني حقاً ليس روتين الفتيات واهتمامهن بالمسلسلات,بل استسلام الأمهات لرغبات بناتهن وسلوكهن غير السليم وتقبله وكأنه أمر واقع لا يستطعن تغييره أو إيقافه.
إن أسهل الطرق التي يتذرع بها الآباء بفقدان السيطرة هي إعلان تمرد الأبناء عليهم وانفلات الزمام من بين أيديهم, وبرغم فداحة النتائج إلا أنها طريقة سهلة لتفادي اللوم والتملص من المسؤولية العظيمة التي تفرضها الأبوة أو الأمومة من حيث مراقبة السلوكيات السلبية وتقويمها وتغييرها.
تعد الطفولة مرحلة مهمة من مراحل الحياة, ولا سيما في مجتمعات كمجتمعاتنا, فقد بينت الإحصاءات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن (40%) من أبناء مجتمعنا العربي هم من الشريحة العمرية من 14 سنة فأقل.
والدور الملقى على عاتق الآباء كبير جدا, فأنت كأب مطالب برعاية فكر وسلوك أبنائك, وليس فقط إطعامهم وكسوتهم, وعليك أن تنتبه لكل ما يتعرض له ابنك من مصادر معرفة,وعلى رأسها الإعلام, الذي يعد وسيلة لنقل الأفكار والمعتقدات من جيلٍ لآخر، والتأثير بسلوك الإنسان ووعيه في جميع مراحل حياته, سواء أكان طفلاً أم بالغاً أم كبيراً في السن , وعلينا أن نعي أن الإعلام الذي نترك أبناءنا فريسة له هو أخطر السبل التي تنقل أخلاق ونمط حياة البيئات الأخرى إلى مجتمعنا، حيث ينقل قيم جديدة وتقاليد غريبة تؤدي إلى التصادم الفكري والثقافي لدى أبنائنا، وخلخلة نسق القيم في عقولهم من خلال المفاهيم الأجنبية التي يشاهدها الطفل العربي.
فمشاهدة العنف في أفلام الأطفال, يثير العنف في سلوك بعض الأطفال، وتكرار المشاهد تؤدي إلى تبلد الإحساس بالخطر وإلى قبول العنف كوسيلة استجابة تلقائية لمواجهة بعض مواقف الصراعات، وممارسة السلوك العنيف، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال سلوكيات عدوانية مخيفة تفضي لأعمال ضد القانون.
إننا إن تركنا الأبناء يتصرفون حسب أهوائهم, فإنهم بلا شك سيصنعونقدوات غير ما نطمح إليه في تربية أبنائنا, ومن تلك القدوات التي تُصنع لأطفالنا, نجوم الفن والغناء والرياضة، والتركيز عليهم يكون على حساب العلماء والقيم.
والإعلام له يده الخفية أو الظاهرة التي تقدم مفاهيم عقائديّة وفكريّة مخالفة لفطرةِ الطفل، بالإضافة إلى اشتمالها على بعض العبارات التي تهاجمُ الدين, والحثّ على السحر والشعوذة والألفاظ الخارجة التي تتضمنها حوارات المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية, كما ويؤثر الإعلام في تنمية مشاعر العدوانيّة والعنف، وحبّ الجريمة، والاستهانة بحقوق الآخرين في سبيل تحقيق غايته, بالإضافة للتوعية الجنسية المبكرة وغير المناسبة لعمر الطفل.
في خبر أوردته (وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك)، شن تحالف من منظمات أهلية ودينية وتعليمية أمريكية هجوماً على السينما الأمريكية, متهمين إياها بترويج أفلام أطفال تحتوي على مشاهد وإيحاءات جنسية تضر بأطفالهم, كما أنها تعمل على ترويج إعلانات تعلم أولادهم ثقافة الجشع والتصرفات الاستهلاكية من الصغر.
سرحت بدوري مطولاً في ردة فعل العالم الغربي تجاه النوافذ الإعلامية التي يتعرض لها أبناؤهم وفي حالنا في العالم العربي وتبارينا لكي نشرع أمام أبنائنا ما استطعنا من نوافذ إعلامية دون وعي أو رقابة، وشعورنا بالتقصير إن لم تتوفر الأجهزة الالكترونية والخلوية بين أيديهم لتتيح لهم الانفتاح الكبير على العالم الذي نجهل غياهبه. ونحن أولى المجتمعات بالحرص والرقابة والترشيد والتوجيه.