إننا كبشر لا نستطيع أن نُكسب المهارات أو نُنميها لكل من يسعى لتطوير ذاته, لكننا دون شك نستطيع بالتحفيز أن نجعل كل من حولنا يعمل على إكساب نفسه ما تريد. فالتحفيز يفتح الطريق للعبقريات المخبوءة حتى تظهر وتثمر.
كثيراً من الأعمال والسلوكيات لا تحتاج إلى مهارات متقنة لأدائها, بقدر ما تحتاج إلى دافعية وحماس لتحقيقها. وهذا كله يصنعه التحفيز. ومخطئ من يظن أن التحفيز مجرد تصفيق يعقب عمل جيد سرعان ما يتلاشى صداه في الفضاء. بل إن التحفيز حاجة للطاقات الكامنة لتنتفض وتظهر على هيئة نتائج وانتعاش يروي النفوس العطشى، ودفعة تقوي العزائم وتصنع المعجزات.
فهذا توماس أديسون صاحب كثير من المخترعات العظيمة في تاريخ البشرية, واحد منها المصباح الكهربائي, قد صنعت منه أمه أعظم مخترع في تاريخ أمريكا، حين خذله معلموهوزعموا أنه أبله خفيف العقل لا فائدة من تعليمه، وطرد من المدرسة بعد التحاقه بها بثلاثة أشهر؛ بحجة أن المدرسة ليست مكاناً للمعوقين!
وحين رجع إلى أمه باكياً قالت له: بل أنت صبي ممتاز، وستتعلم بسرعة، وتولت هي تعليمه ورعايته حتى صار توماس أديسون الذي يشار إليه بالبنان، وكان ينسب ذلك لأمه ويقول: هي التي جعلتني أستمر في محاولاتي بفضل تحفيزها حتى نجحت.
وإيماناً منه بعظيم أثر التحفيز, فقد كتب هارون الرشيد إلى عماله على البلاد أنه من التزم الأذان يُعطى ألف دينار, ومن جمع القرآن, وعمر مجالس العلم وتعلم الأدب يُعطى ألفي دينار, ومن جمع القرآن وروى الحديث وتبحر في العلموناظر العلماء فيعطى أربعة آلاف, فتشجع الطلاب حتى كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثماني سنين, وكان يستبحر في الفقه ويروي الحديث ويجمع الدواوين وهو ابن إحدى عشرة سنة, وقد كان السر في هذا هو التشجيع.
وتعتبر الأم مصدر التحفيز الأول والأهم للإنسان، فهي التي تشجع الخطوة الأولى والكلمة الأولى والفعل الأول, فها هي أم الناشط السويدي بنجامين لادرا, الذي قرر القيام برحلة سير على الأقدام من السويد إلى فلسطين تستغرق 322 يوماً لا ليحقق رقماً قياسياً في المشي يُسجل في موسوعة جينيس, ولا لتحقيق هدف شخصي, بل ليعرف العالم بالقضية الفلسطينية والتي لا تعد قضيته ولا همه, تقول له قبل انطلاقه: لا تنسى أن تبتاع زوج من الأحذية الجيدة للمشي. فينطلق لادرا وينهي رحلته ويصل حدود فلسطين المحتلة ويحقق الهدف الإنساني الذي عزم عليه ويصبح رمزاً للتضامن العالمي اقتدى به ملايين الأحرار في العالم وذكر اسمه في جميع القنوات الفضائية.
ويقوم الدين الإسلامي على التحفيز في كل فعل وقول, فهذا فعل طيب له ثواب وذاك خبيث له عقاب, ولهذا ينبغي أن نهتم بتحفيز الخُلق والفعل. ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: إذا ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فإنه ينبغي أن يكرم عليه ويجازى بما يفرح به ويمدح أمام الناس لتشجيعه على الأخلاق الكريمة والفعل الحسن.
لا يقتصر التحفيز على جنس دون غيره، أو مرحلة عمرية دون غيرها، فهو احتياج مستمر ما دامت الحياة مستمرة، وتأكيداً لهذه النظرية فقد سألت مجلة إنجليزية كبيرة الأدباء عن الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الآداب, وجعلت لمن يحسن الجواب جائزة قيمة, فكانتالجائزة لكاتبة مشهورة قالت: إنه التشجيع! وقالت إنها في تلك السن, بعد تلك الشهرة والمكانة, تدفعها كلمة التشجيع حتى تمضي إلى الأمام وتقعد بها كلمة التثبيط عن المسير.
ما أحوجنا في جميع مراحل الحياة إلى التشجيع والتحفيز، فمنذ تتعثر خطواتنا الأولى تبدأ حاجتنا للتحفيز لكي ننهض ونحاول حتى تخطو أقدامنا بثبات، وفي طريق الحياة نحتاج التحفيز بأشكال مختلفة، قد تأتي على هيئة كلمة أو ابتسامة أو لمسة داعمة أو مساندة بإكمال عمل أو بدعاء, لكن مهارة التحفيز لا يملكها إلا الأغنياء, أغنياء النفوس والمشاعر الذين لا يبخلون بتقديم العون وإطلاق الإشادة بعمل ما, أو برسم ابتسامة على وجوههم توحي بإعجابهم بفعل ما.