قليلة هي المرات التي يكتب فيها المرء بأصابع مرتعشة، وهذه واحدة منها، لأن ثلاثة حروف من الابجدية تصبح احيانا كل لغات العالم وقد احتشدت في كبسولة هي التاريخ ومُضاداته الحيوية ضد الاستنقاع والعطن.
هذه الحروف الثلاثة هي قدس خلعت أل التعريف لتصبح مفهوما ورمزا اكثر مما هي مدينة، فكل حجر في سورها الان يرشح منه الدم، وكل عشبة فيها تستدعي كل ما في ذاكرة الارض من احتياطات كي لا تتحول الى هشيم، فهي عاصمة العواصم وام المدائن التي يمتلئ فضاؤها بزفير من رحلوا ليعودوا من المستقبل، والكتابة عنها ليست كالكتابة منها، لأن من يتدفأ على جمرها ليس كمن يغرز اصابعه فيه.
ان مجرد ذكر اسمها الفصيح العصي على العبرنة قد يكلف احد ابنائها حياته، لأن اللحظة الان فارقة، وما من ظلال بين المقاومة والمهادنة الا اذا وقع خطأ مطبعي حوّل المقاوم الى مقاول، والغار الى عار والسجين الى سجان !
ان تفعل شيئا آخر غير الكتابة، فالفرض عين وليس كفاية، ومن يخسر هذه اللحظة سوف ترث سلالته كلها والى الابد هذه الخسارة الفادحة. سبعون عاما لا تكفي لأن يصبح حفيف الزيتون والزيزفون اعجميا وبالعبرية التي انحازت للفحيح.
كم هو مسكين ويستحق الاشفاق رغم ترسانته النووية ذلك الذي يبحث عن ثمرة صبار في شجرة لوز، او عن نعيق غراب تحت ريش حمامة، وهذه مناسبة لنشكر مرة اخرى شلومو رايخ الذي قال ان (اسرائيل) ستواصل القفز من نصر الى نصر نحو هزيمتها، فما يجري الان ليس تهويدا او أسرلة او عبرنة بقدر ما هو بحث عن شهادة ميلاد في قبر وعن مهد في تابوت، استجابت لغات هذا الكوكب كلها لاستغاثة القدس، لكن الابجدية هي التي ترددت وتلعثمت لأن اهلها خلعوا جلودهم واغتربوا عن انفسهم ورطنوا بلغتهم وجلسوا تحت الاسوار ينتظرون البرابرة !