ما تكرره مندوبة أمريكا في مجلس الأمن كلما أجهزت (اسرائيل) بكامل ترسانتها الحربية ضد طفل فلسطيني تجاوز كل الخطوط الحمر في التاريخ كله وليس في عصرنا فقط، والفيتو الذي تشهره أمريكا لإبطال مفعول أي قرار يدين جرائم الاحتلال يقطر دمًا، وقد تكون بعض الإمبراطوريات البائدة في التاريخ عانت من خلل في التوازن بين القوة والعدالة لكن أمريكا ذهبت إلى ما هو أبعد وحذفت العدالة من معادلاتها كلها، بحيث تبدو ذات يوم ليس ببعيد أمثولة في التوحش التاريخي وإعادة الإنسان عدة الفيات إلى الوراء، وقد لا يكون هناك فارق جوهري بين الجحور والكهوف وبين ناطحات السحاب، لأن التكنولوجيا التي تزهو بها قوة منزوعة العدالة أضافت إلى الانياب والمخالب امتدادات فولاذية.
وفي إحدى المسرحيات الكوميدية السوداء، يعاقب الطفل لأنه تجاسر، وقال إن الإمبراطور عار، والطفل الفلسطيني يعاقب الآن لمجرد أنه ولد وما يزال على قيد الحياة، لأن رهان الاحتلال إبادي بامتياز، وهو عدوان مستمر على مستقبل البشرية بسبب شريعته التي تتأسى على إعدام الآخر، وإحلال المستوطن مكان المواطن!
إنه فيتو يقطر دما، لأنه أصبح متخصصا في الدفاع عن الجلاد ضد الضحية، وما يشعر به بعض المثقفين الأمريكيين من الخجل والعار بسبب مواقف إداراتهم المتعاقبة من قضية عادلة سيكون له أثر كبير في المستقبل، وستدرك الأجيال الأمريكية القادمة أن من نكبت بهم من رؤساء بلا روادع أو كوابح سياسية وأخلاقية سوف يحاكمون ذات يوم لكن بعد نبش قبورهم!