شرق غزة، لا تفرق قنابل الغاز المسيل للدموع أو الرصاص الحي الذي يطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب السياج الفاصل، بين إنسان وآخر في مسيرة العودة السلمية. الجميع هناك مستهدف، أكان صحفيا محليا أم أجنبيا أم مشاركا أعزلا بالمسيرة.
مواجهة قوات الاحتلال للكاميرا والقلم بالسلاح خلال المسيرة السلمية المستمرة منذ 30 مارس/آذار الماضي، أسفرت عن ارتقاء شهيدين من الصحفيين هما ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، وإصابة آخرين.
ويمارس صحفيون محليون وأجانب عملهم في هذه المنطقة رغم ما يحدث بهم من مخاطر يتسبب بها جيش الاحتلال.
وعلى بعد مئات الأمتار فقط من السياج الفاصل، قال مراسل قناة الجزيرة الفضائية في غزة وائل الدحدوح لصحيفة "فلسطين"، إن العمل الصحفي هو مهنة المتاعب، وفي هذه المنطقة الخطرة بالتأكيد تكون المتاعب أكبر، ومنها استهداف قوات الاحتلال للصحفيين.
وأوضح الدحدوح أن هناك استهدافا لسيارات البث من قبل قوات الاحتلال سواء بشكل مباشر أو بقنابل الغاز أو الرصاص بشكل مجاور وتحذيري، بمعنى أنه يمكن أن يتحول الصحفي أو المصور لصورة وأن يصبح هو الخبر والمعلومة التي تبحث عنها وسائل الإعلام.
لكن الدحدوح الذي أضاف أن هذا وارد في أي لحظة، قال في نفس الوقت: "هذه رسالتنا وطريقنا ومشوارنا سنمضي فيه وسنتخذ كل الاحتياطات، هذا أمر واجب سواء في المكان أو الألبسة أو ما شابه ذلك.. لكن الاستهداف المباشر لا شيء يمنعه بالتالي الأخطار كبيرة جدا".
وعن محاولة الاحتلال ثني الصحفيين عن ممارسة عملهم عبر استهدافهم، أوضح أنه طالما هناك حدث فهذا يعني أن هناك صحفيا يغطيه ويبحث عن المعلومات المتعلقة به بكل موضوعية وشفافية، فالصورة لا تكذب.
ومن غير المستبعد أن يكون أي صحفي هدف نيران الاحتلال، وبشأن ذلك قال الدحدوح: "عندما يسقط بجوارك زملاء ويصبحون شهداء يعني أنك ممكن أن تكون بعد دقائق في نفس الركب، لكن في نهاية المطاف هناك قرار من الصحفيين، هذه مهمتنا ورسالتنا ونحن ماضون في حمل هذه الرسالة الإنسانية بالدرجة الأولى وبغض النظر عن النتائج".
وأشار إلى أن الاحتلال لا يروق له عمل الصحفي الفلسطيني بهذه المهنية والجهود اللامتناهية في تغطية الأحداث، قائلا: "ربما هذه المسيرات السلمية وضعت الاحتلال في قفص الاتهام، وفي مأزق".
وفسر بأن رواية الاحتلال الإسرائيلي اهتزت وتراجعت، وبات جيش الاحتلال وماكنته الإعلامية المصاحبة له في مأزق، لافتا إلى أن مسيرة العودة يشارك فيها فلسطينيون عزل من الشبان والفتية والنساء والأطفال والشيوخ.
وقال الدحدوح، إن الاحتلال يدرك أن الصحفيين الفلسطينيين ووسائل الإعلام بشكل عام ساهموا بشكل كبير في نقل الحقيقة، بالتالي تضرر الرواية الإسرائيلية، وهذا لا يروق لجيش الاحتلال الذي يرد بالسلاح.
وبخصوص مسؤولية حماية الصحفيين، بيّن أنها تقع على عاتق المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة والإعلام والمؤسسات الإنسانية، منوها إلى أنه إذا توفرت الجدية والنية لدى هذه المؤسسات سواء الفلسطينية أو العربية أو الدولية يمكن أن تقوم بملاحقة قضائية لمسؤولي الاحتلال المسؤولين عن استهداف الصحفيين، لاسيما مع وجود مواد وأدلة سواء صور أو معلومات أو شهود عيان وغيرها.
رسالة إنسانية
بدوره، قال الصحفي الإيطالي جانلوكا بنيلا، لصحيفة "فلسطين"، إن عمل الصحفيين ينطوي على رسالة إنسانية للعالم، في أي مكان يعملون به، لأن مهمتهم نقل الحقائق.
وعما إذا كان يشعر بالخشية على حياته في تلك المنطقة، أجاب: "أحيانا نعم"، مبينا أن ذلك هو جزء من العمل.
وأضاف بنيلا، أنه لم يكن ينبغي قتل صحفييْن فلسطينيين خلال مسيرات العودة.
وردا على سؤال: هل تعتقد أن (إسرائيل) تسعى لإسكات الصحفيين؟ أجاب بأنها يجب ألا تفعل ذلك.
أما مراسل قناة العالم الإخبارية، مصطفى عبد الهادي، قال لصحيفة "فلسطين"، إن هناك مخاطر ليس على الصحفيين فحسب، وإنما على كل من يتواجد في منطقة السياج الفاصل من الفلسطينيين، إذ إنهم جميعا في "مرمى النيران الإسرائيلية".
لكنه أضاف: "نحن لسنا أفضل من الأطفال والنساء الذين يأتون إلى هنا لإيصال رسالتهم، بل علينا مسؤولية وواجب نقل رسائل هؤلاء"، مردفا: "نستشعر حجم الخطر والاستهداف الذي يقصدوننا (قوات الاحتلال به) لكن هذا لا يمنعنا لأننا أصحاب رسالة وقضية قبل أن نكون صحفيين ومراسلين ننتمي لهذه القضية والشعب بالتالي علينا أمانة مزدوجة".
وأكد أن استهداف الاحتلال للصحفيين ومنهما الشهيدان مرتجى وأبو حسين، "يعبر عن استخفاف الكيان الإسرائيلي بالدم والشعب الفلسطيني، وهذا ناتج عن إفلاته من العقاب والمحاسبة الدولية مما يطلق يده لمزيد من الجرائم والقتل بدم بارد"، مشيرا إلى أن الفلسطينيين المشاركين في مسيرة العودة السلمية والصحفيين لا يشكلون أي خطر على جنود الاحتلال المتمرسين خلف السياج الفاصل.
وفي طريقها صوب منطقة السياج الفاصل لتغطية الأحداث، سألت صحيفة "فلسطين" مذيعة قناة طيف عبر وسائل الإعلام الجديد مادلين شقليه، عن المخاطر التي تحدق بها كصحفية.
قالت شقليه: "نحن أصحاب قضية ورسالة نريد أن نوجهها للعالم بأكمله، هذه رسالة يجب أن يحملها أبناؤنا فيما بعد"، مضيفة أن الشباب والصحفيين لا يهابون جيش الاحتلال ولا يزالون متواجدين في الميدان بدليل إطلاق اسم "جمعة الشباب الثائر" على يوم أمس.
ونوهت إلى أن هؤلاء الشباب ثائرين من أجل حقهم في العودة بخلاف ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي، مردفة في نفس الوقت: "أنا متواجدة في الميدان لكي أوصل رسالتي للجميع أن المرأة الفلسطينية ما زالت موجودة رغم المعيقات التي تكبلها في بعض الأوقات".
وأوضحت أن جيش الاحتلال يواجه الكاميرا والقلم بالأسلحة والذخائر، لكن "نحن بصدورنا العارية متواجدون لأننا أصحاب حق".
وأكدت أن جيش الاحتلال يستهدف الصحفيين في محاولة لثنيهم عن عملهم، ولطمس الحقيقة، لافتة إلى أن الصحفي الفلسطيني "ليس بالصحفي العادي، فهو صاحب قضية وهو بالميدان بشكل مباشر وواضح من أجل فضح الجرائم التي يحاول الاحتلال أن يخفيها".
المصور الصحفي في وكالة "صفا" المحلية، محمد محيسن قال من ناحيته، إن الصحفيين سيواصلون حمل رسالة الحقيقة.
وشدد لصحيفة "فلسطين"، على أن عمل الصحفيين الفلسطينيين يمثل "واجبا وطنيا وأخلاقيا.. كصحفي فلسطيني أقوم بعملي وأمارسه".
لكنه نوه إلى أن الاحتلال لا يأخذ بالاعتبار المواثيق أو الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الصحفيين، محملا إياه المسؤولية الكاملة عن حياة الصحفيين.
وأشار أيضًا إلى الدور الذي يجب أن تؤديه المؤسسات الدولية والحقوقية ذات العلاقة في حماية الصحفيين.
ورغم كل ما يتعرض له هؤلاء الصحفيون من مخاطر، فإنه يبدو جليا أن محاولات جيش الاحتلال إسكاتهم، باءت بالفشل.