فلسطين أون لاين

​الشهيد فادي البطش.. حياة حافلة بالتميز منذ نعومة أظفاره

...
الشهيد فادي البطش
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

لطالما عرف الشهيد فادي محمد البطش بتفوقه العلمي وتميزه في حصد الجوائز منذ سنوات طفولته الأولى مرورًا بتفوقه في دارسة درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية بالجامعة الإسلامية في غزة، حتى حصوله في عام 2016 على جائزة منحة "خزانة" الماليزية كأول عربي يتوج بها.

ولد البطش عام 1983 في المملكة العربية السعودية وخلال المرحلة الإعدادية أتمّ حفظ القرآن الكريم ثم أتقن تلاوته بعدة روايات، وفي عام 1998 عادت العائلة المؤلفة من أربعة أفراد إلى قطاع غزة وهنا أكمل الشهيد فادي مسيرته الدارسة في مدارس مخيم جباليا للاجئين، شمال القطاع، حيث سكن عائلته.

وعقب حصول البطش على درجة الماجستير، بدأ رحلة البحث عن منحة دراسية لنيل درجة الدكتوراة في إحدى الجامعات العربية أو الأوروبية في ذات التخصص، إلا أن محاولاته الأولى باءت بالفشل، إلى أن تمكن في عام 2008 من الحصول على قبول الدكتوراة من جامعة "مالايا" الماليزية ذات المكانة المرموقة عالميًا.

حزم البطش (وهو والد ثلاثة أطفال: دعاء ثلاثة أعوام، أسيل عاميْن، محمد لم يتجاوز الثانية من عمره)، أمره وسافر برفقة عائلته بعدما تجرع مرارة الانتظار على بوابة معبر رفح البري، وفي شهوره الثمانية الأولى أنفق كل ما ادخره لسفره وبدأت مرارة الغربة يشتد علقمها، ولكنه سرعان ما وجد التميز الذي كان ديدنه منذ صغره عندما حصد جائزة منحة خزانة الحكومية.

وتعدّ منحة "خزانة" (Yayasan Khazanah) الأولى في ماليزيا من حيث جودة المنحة ومن الأفضل الجوائز العالمية، وقبل عدة سنوات أدرجت فلسطين في قائمة المنحة التي كانت مخصصة في بداية الأمر للطلبة الماليزيين.

عادت روح التحدي تدب مجددًا داخل البطش، فمكانة المنحة تجعل المنافسة عليها حامية الوطيس، والمتقدم لها يتوجب عليه الخضوع لأربع مراحل تقييمية تشمل امتحان اختبار الذكاء (IQ Test)، والخرائط الذهنية، ومقابلتين، حيث نجح المهندس البطش في تجاوزها بجدارة برفقة اثنين من الفلسطينيين.

وعلى عكس توقعاته، وفق ما تحدث البطش في مقابلة سابقة مع صحيفة "فلسطين"، تمكن من نيل جائزة المنحة بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية (إلكترونيات القوى)، وتحقيقه جملة من الإنجازات العملية والعلمية التي أهلته للفوز بالجائزة، كأول عربي يتوج بها.

وخلال الحفل السنوي العاشر للمنحة الذي عقد في العاصمة الماليزية كوالالمبور بمنتصف عام 2016، تسلم البطش جائزتي التكريم والتفوق من قبل رئيس وزراء ماليزيا د. محمد نجيب عبد الرزاق.

شعور بالفخر خيم على البطش حينها، مخاطبًا نفسه بتلك اللحظة "هانت يا ابن فلسطين، تحقق إنجازًا كبيرًا في محفل عالمي بعد سنوات من التعب والمدافعة، وهذا رئيس الوزراء يعبر لك عن عظيم سعادته بفوزك بالجائزة، مؤكدًا لك أن ماليزيا ستستمر في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله العادل ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم".

وأعد الفلسطيني فادي خلال دراسته الدكتوراة في منحة خزانة بحثًا حول رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى، إذ نجح فعليًا في خلق جهاز يعتمد تصميمه على تكنولوجيا إلكترونيات القوى ومن ثم توصيله بشبكة نقل الطاقة الكهربائية وتحسين كفاءة الشبكة بنسبة تصل 18%.

ويحقق البحث في حال تطبيق فكرته عدة فوائد أهمها تقليل الفقد في الطاقة (Power Losses) الذي ينتج من عملية نقل الطاقة الكهربائية من محطات توليد الطاقة الكهربائية عبر خطوط النقل إلى المستهلكين، إلى جانب تحسين كفاءة شبكة نقل الكهرباء عموما.

وإلى جانب حصده لجائزة ماليزيا الأولى، حقق الشهيد فادي إنجازات أكاديمية أخرى كنشر 18 بحثًا محكم في مجلات عالمية والمشاركة أبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في عدة دول، والحصول على جائزة أفضل بحث في مؤتمر (Saudi Arabia Smart Grid conference (SASG - 2014) والذي عقد في السعودية.

وحسب موقع (Researchgate) فقد بلغ عدد من قرأ أبحاث البطش من جميع دول العالم نحو 5500 بجانب أكثر من 60 اقتباسًا، وكذلك حصل على المركز الأول في مسابقة (University of Malaya Three-Minute-Thesis Competition 2015)، التي تهتم بتلخيص بحث الدكتوراة لغير المختصين في صفحة عرض واحدة ثابتة.

ومثلما كان الحديث عن الطموحات حاضرًا في بداية اللقاء تحدثنا عنه أيضًا في النهاية، فجاءت طموحات البطش راقية ومتنوعة ما بين السعي وراء الحصول على درجة بروفيسور في تخصص الهندسة الكهربائية والاستمرار في كتابة الأبحاث العلمية المحكمة، والإشراف على طلبة الدراسات العليا، والحصول على براءة اختراع لبحث الدكتوراة.

وهل يمكن للإنسان الفلسطيني أن يتميز دون أن يصطدم بتحديات وعقبات؟ الواقع يجيب عن ذلك بالنفي، ويعلق البطش في نهاية المقابلة على ذلك: "الحصار الإسرائيلي الظالم بلا شك يقف عائقاً في وجه المبدعين والساعين للتميز، ولكن إن بذل الإنسان مزيدًا من الجهد والمصابرة ستتحطم كل الصعاب وتتحقق الطموحات".