فلسطين أون لاين

جرحى ولكن همتهم تلامس السماء

...
غزة- آية شراب

خَرَجَت باكرًا، تحملُ شَغَفها وحُبَّهَا للبلاد، وقد تَزَودَت بيقين مُتَّقد، وجبينٍ مُنعَقِد، مَاضيةً ل "دمرة".

هكذا انطلقت الأربعينية نهلة البرعي للمشاركة في فعاليات مسيرة العودة الكبرى، لم يغير الطلق الناري الذي تلقته في قدمها اليسرى شاقًّا طريقَهُ نحوَ اليُمنى مُلقيًا بها في قلبِ قسم العظام في مجمع الشفاء الطبي بغزة، عزم المشهد الأول، بل زاده اتّقادًا.

" هل أثنت الإصابةُ عزمك؟" أجابت والحزم يملأ تقاسيم وجهها : "مستحيل، كان بودي أن أبقى، لو كان بمقدوري لذهبتُ الآن، لم أنم طيلةَ الليل يغشاني حنين الوطن، فأعقد العزمَ أكثر، كيف أندم؟"

في الجوار، يرقد الشاب العشريني رمضان رمضان إثر تعرضه لطلق ناري متفجر في قدمه اليمنى أدى لتفتيت عظمة الساق، وعند سؤاله عن طبيعة مشاركته أجاب: " لقد كنا نقف بسلمية تامة، نُطالبُ بأرضنا التي سُلبت منا بغتة، فقنصني الجندُ ظنًّا أنَّهم قد يثنوني عن حب الوطن، ولكن هيهات".

وعلى مسير خطوتين فقط، عشريني آخر، وإصابة مشابهة، يريد هذا الإحتلال قطع أقدامنا فلا نقوَ وقوفا ولا عودة، "فهل أنتم منتهون؟" رد حمزة أبو هين " أعوذ بالله! تمنيت لو كان بإمكاني التواجد اليوم والبقاء حتى النهاية، ولكن قدَّر الله".

وفي أروقة المشفى كانت أم محمد تبكي فلذةَ كبدها الذي أصيب بالرصاص الحي في يده اليسرى، ما أسفر عن حاجته الماسة لعميلة جراحية، ما زال صدى صوتها وهي تئن توجعًا عليه يملأُ أرجاء المكان، بيدَ أنَّ محمدا بدا ثابتًا، كأنَّ قامته قُدَّت من متنِ جبل.

عشريني آخر أسفرت إصابته عن جعله يتنقل على كرسي متحرك، له من الأرواح أسماها وأعلاها، يضحك كأنَّما إصابته كانت في قلب عدوه لا في جسده الغض، عزمه يلامس السماء، لا أثر فيه لانحناء.

عشرات الجرحى يستقرون في مشفى الشفاء، والمئات منهم في مختلف مشافي القطاع، تلمحُ في تقاسيمهم مزيجًا عجيبًا من إنهاك الجسد وشموخ الروح، لا يعرف الخوف إليهم طريقًا، بأسهم رغم جرحهم شديد، ولسان حالهم: "يخشوننا ولا نخشاهم".

هل ننتهي إن أصيب شبابنا ورملت نساؤنا؟ هل نخشى عاقبة الليالي إن هم فوقنا أهالوا بيوتنا؟ يصدحُ الجرحى ب "لا ، أما آن للجند أن يعوا أنَّا باقون، كالجبال راسخون، إن مات منا الكبار لا ينسى فينا الصغار" .

المزيد من الشهداء، الكثير من الجرحى، آلامٌ تتعاظم وأحلامٌ تنمو، وصمتٌ مطبق من العالم أجمع، وللقصة بقيّة.