من السابق لأوانه حسم مصير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لأن مسألة تقديمه للمحاكمة أصلا، تحتاج لأشهر طويلة. وفرضية أن يخرج نتنياهو بلا شيء من هذه القضايا، ما تزال قائمة، ولاقت هذه الفرضية ما يساندها في اليومين الأخيرين؛ ورغم ذلك، فإن فرضية نزول نتنياهو عن المسرح السياسي ما تزال هي الأقوى؛ وهذا ما يطرح سؤال: من سيخلفه؟. المؤكد أن نتنياهو ليس قاع الحضيض في الحلبة السياسية، وحسب "بورصة الأسماء" المطروحة لخلافته في الليكود، فإن كل واحد منهم مرشح لتسجيل حضيض أشد عمقا، في العنصرية، وسياسة الحرب والاحتلال.
فبعد يوم واحد من صدور توصيات الشرطة بتقديم لائحتي اتهام ضد نتنياهو بتهمة تلقي الرشى، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن مصادر مسؤولة في النيابة، ادعاءها أن الشرطة ضخّمت توصياتها. وقالت تقارير أخرى إن نتنياهو قد يواجه في نهاية المطاف تهمة "خرق الأمانة"، وهي أقل بكثير من تلقي الرشى. وحسب الأنظمة القانونية، فإن القرار النهائي لتقديم نتنياهو للمحاكمة سيكون بيد المستشار القضائي للحكومة. وقبل هذا، هناك مرحلتا فحص في جهاز النيابة، وهذا مسار قد يحتاج ما بين 9 أشهر إلى 12 شهرا وربما أكثر.
قد ينبهر كثيرون من أن الشرطة الإسرائيلية توصي بتقديم رئيس حكومتها للمحاكمة، بقضايا فساد. ونتنياهو ليس الأول. ولكن هذا لا يعني إطلاقا "نزاهة حكم". فمن حيث المبدأ، لا يمكن لأي نظام يمارس الاحتلال، ويستبد بشعب آخر أن يكون ديمقراطيا ونزيها؛ والحال أشد في الحُكم الصهيوني، القائم على مبدأ اقتلاع شعب وحرمانه من حقه بالحياة الطبيعية على أرض وطنه. كذلك فإن الفاسدين الإسرائيليين لا ينتهون، بل يتناوبون على الحُكم، وهذا واقع مثبت.
وبشأن سؤال "من يخلف نتنياهو؟"، يبقى جديرا بالبحث فيه. وحسب موازين القوى السياسية في الحلبة الإسرائيلية، فإنه في أي انتخابات برلمانية ستكون منذ الآن، وحتى موعدها القانوني في خريف العام المقبل 2019، فإن الُحكم سيبقى بيد اليمين الاستيطاني، وحلفائه في التيار الديني المتزمت، وكلهم بقيادة حزب "الليكود".
إلا أن الليكود يعاني كباقي الأحزاب الإسرائيلية من "أزمة قيادة"، بعد زوال كل الجيل المؤسس للكيان. ونتنياهو هو حالة استثنائية، من حيث سنوات بقائه على رأس الحكومات، ولكن هذا ليس بسبب شخصيته، فمن حيث المبدأ لا تتعدى شعبيته حاجز 31 %، ولكنه يبقى رئيس الحكومة "الأفضل" بالنسبة للإسرائيليين، من باب "خيار اللا مفر"، إذ لا بديل له على الساحة؛ وكل الأسماء المطروحة، قيمتها أخف من دمية مصنوعة من خِرَق قماشية ممزقة.
وفي حزب الليكود الوضع أشد بؤسا، والأسماء المطروحة لتولي رئاسة الحزب، في حال رحل نتنياهو سياسيا، هم ثلاثة أسماء، حتى الآن. وتبقى هي الأقوى من بين باقي الأسماء الأخرى التي يتم التداول بها. وهم: وزير المواصلات يسرائيل كاتس، المعروف عنه تمدده داخل الجهاز الحزبي. ثم الوزير السابق غدعون ساعر، الذي غادر حكومة نتنياهو السابقة، بسبب مضايقات نتنياهو له. والثالث الذي بدأ يظهر اسمه حديثا، رئيس الكنيست الحالي يولي إدلشتاين.
وما يجمع الأسماء الثلاثة، أنهم في عمق اليمين الاستيطاني المتطرف، وثلاثتهم من دعاة ما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة". وبزّ من بينهم في الأسابيع الأخيرة، إدلشتاين، الذي قال من على منصة الكنيست بحضور نائب الرئيس الأميركي، إن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بوطنه، هي "كذبة". ولاحقا دعا في مؤتمر لليمين المتطرف عقد في الكنيست، للإسراع في بسط ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الفلسطينية المحتلة.
في حال نزل نتنياهو عن المسرح، فإن كل شخص سيأتي من بعده، من حزب الليكود، سيكون شخصية هزيلة، لا تستطيع أن تقود، بل ستبحث عن مسارات للحفاظ على بقائها في الحكم، وأمثال هؤلاء أشد خطورة من غيرهم، لأنهم سيكونون رهائن عند عصابات المستوطنين المنفلتة.