فلسطين أون لاين

​تأثيرات اجتماعية تتركها نسب الفقر والأزمات الحياتية

"الطبقة الوسطى" بغزة "تتآكل" لصعوبة الأوضاع المعيشية

...
غزة (أ ف ب)
غزة - نبيل سنونو

مع استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 11 سنة، تشير تقارير محلية ودولية إلى صعوبة الوضع المعيشي، في وقت يرى خبيرا علم اجتماع أن لذلك تأثيرات اجتماعية، وتحولًا بالطبقات المجتمعية.

ووفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن معدلات الفقر والفقر المدقع ارتفعت لتتجاوز 65% وتجاوزت نسبة نقص أو انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة.

ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر بغزة، د. ناصر مهدي، إن الطبقة الأهم في المجتمع هي ما تعرف بـ"الوسطى"، مضيفًا أنها كلما ارتفعت كان المجتمع متشافيًا اجتماعيًا، وله نظرة إيجابية نحو المستقبل.

لكنه يؤكد لصحيفة "فلسطين"، أنه في ظل الأوضاع المعيشية التي يشهدها قطاع غزة فإن "الطبقة الوسطى" بدأت "تتآكل بشكل ملاحظ وكبير"، مبينًا في الوقت نفسه أن إحصاءات 2018 لم تصدر بعد لمعرفة متوسط الاستهلاك الأسري ومدى التآكل في هذه الطبقة.

ويتابع مهدي: "لكن واضح أن التآكل في متوسط الاستهلاك الأسري ودخل الأسرة في تناقص، بالتالي هناك تناقص بالطبقة الوسطى، ونلاحظ أيضًا اتساعًا في طبقة الفقر والفقر المدقع في مجتمعنا بقطاع غزة.

كما يقول مهدي، إن للفقر وصعوبة الأوضاع المعيشية عناصر متداخلة على مستوى المشكلات الاجتماعية، موضحا أن مشكلة الفقر في أي مجتمع ينشأ عنها تأثيرات متعددة مرتبطة بكينونة الأسرة والتوافق الاجتماعي وانعكاس على الانحراف والجريمة والتوازن داخل المجتمع.

ويرى أن القضية الأساسية هي في عدم معالجة هذه المشكلات وبالتالي تراكمها، لافتًا إلى انخفاض نسبة الزواج في قطاع غزة مقارنة بالمستوى العالمي، عدا عن وجود حالات الطلاق، فيما يعتبر أن ذلك "يدلل على أن هذه المشكلات خاصة الفقر انعكس على كل المناحي الاجتماعية".

وبحسب المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة، فإن هناك نقصًا في حالات الزواج في جميع محافظات قطاع غزة مقارنة بعام 2016 بـ1881 عقد زواج أي أن هناك فارقًا بنسبة 10.8%، فيما بلغ عدد حالات الطلاق لعام 2017م، 3255 حالة، بينما بلغ عدد حالات الطلاق في 2016، (3368) حالة وهو عدد أقل من العام الذي قبله بــ 113 حالة، أي يوجد نقص بنسبة 3.5% تقريبا.

ووفقا للمجلس أيضًا، فإن نسبة حالات الطلاق مقارنة بالزواج بلغت 18.7% وذلك نتيجة النقص في حالات الزواج.

ويقول مهدي، إن صعوبة الأوضاع المعيشية والفقر ينعكسان على الشخصية، وقد تأخذ شكل الانحراف، أو الشخصية الانسحابية وعدم مواجهة مشكلات الحياة، وقد يلجأ الشخص إلى تناول المخدرات وغيرها.

وينوه إلى أنه في حال لم يتدخل المجتمع لحل هذه المشكلات فإنه لن يستطيع السيطرة على الآثار المترتبة عليها.

ويضرب مثلا بأزمة الكهرباء المزمنة والتي زادت حدتها خلال الشهور الماضية، دون وجود حلول لها على أرض الواقع، بينما يعاني كثير من الشباب من البطالة.

ويطالب أستاذ علم الاجتماع، بتضافر كل الجهود على مستويات عدة، منها المستوى السياسي، قائلا: "لا بد من وجود مشروع وطني جامع يكون المواطن هو القضية الأساسية له".

ويضيف: "لا بد من إعادة البوصلة للنظام السياسي للشكل الصحيح والسليم ويكون المواطن هو محور هذا الاهتمام قبل أي اهتمامات أخرى".

وعلى المستوى الاقتصادي، يوضح مهدي أنه يجب أن يتوافر تصور وجهود كبيرة مرتبطة بكيفية تنشيط الحالة الاقتصادية، مبينا أن ذلك سيستغرق فترات طويلة لكن لو توفرت "نية صادقة" لحل المشكلات سيتم التوصل لحل تدريجي.

ويشير على المستوى الإعلامي، إلى ضرورة توجيه كل الجهود من قادة الرأي لمناصرة قضايا المواطن والمجتمع، معتبرا أن أغلب المشكلات "جذورها سياسية".

"الوازع الديني"

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية د. أمين شبير، إنه "بلا شك، للفقر تأثير كبير" في النواحي الاجتماعية، ومن التأثيرات التي يمكن أن يتركها ما يتعلق بالانحراف والجريمة والأوضاع الأسرية والعلاقة بين الأبناء والجيران.

لكن شبير يصف في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، المجتمع الفلسطيني بأنه متكامل ومتماسك، لافتًا إلى حملات مجتمعية لشطب بعض الديون المترتبة على أشخاص غير قادرين على السداد، وغير ذلك.

ويتابع بأن الشعب الفلسطيني أكبر من الذين يخططون له لكي ينقسم، أو أن يواجه بعضه بعضًا أو تقوم فيه فتنة.

ويعتبر أن الفقر "قد يترك بعض الأمور" في نفوس من لديهم ضعفًا في الوازع الديني.

ويدعو شبير إلى مزيد من التماسك بين أبناء الشعب الفلسطيني، وأن يتقاسم الجميع الغذاء ويتبادل المستلزمات المعيشية.

ويتمم شبير: "هذا أملي في بعضنا البعض وفي مجتمعنا الفلسطيني المتكاتف بغزة بغض النظر عن بعض الهنَّات".