بإمكانات بسيطة، صنع الشاب أحمد نصر جرار إنجازات وطنية، سطرتها ظروف تنفيذه عملية فدائية، وأحداث استشهاده.
جرار ذو الملامح الشقراء والوجه المستدير كرغيف خبز من قمح فلسطيني أصيل، هو قائد الخلية التي نفذت عملية قتل حاخام إسرائيلي قرب نابلس في يناير/كانون الثاني الماضي، بينما كان مارا بسيارته قرب مستوطنة "حافات غيلات".
وقد شارك هذا الحاخام "رزيئيل شيبح" في تأسيس المستوطنة المذكورة، التي وقعت العملية الفدائية بقربها، ونقل بحالة خطرة إلى مستشفى في المنطقة، وسرعان ما فارق الحياة متأثرا بجروحه.
وبعد ملاحقة ومطاردة نفذتها أجهزة الاحتلال الأمنية، دامت حتى أمس، استشهد جرار (23 عاما) في اشتباك مسلح في بلدة اليامون.
وتظهر صور من المكان الذي كان يتواجد فيه جرار قبيل الاشتباك المسلح، أنه كان يعيش في ظروف بسيطة للغاية.
وفي الصور ذاتها، يبرز الزيت والزعتر الفلسطيني، في مشهد يتجلى فيه التمسك بالأرض، والنضال لأجل الحقوق.
وأبى جرار إلا أن يواجه قوات الاحتلال بما أوتي من قوة، رغم امتلاكها الأسلحة العاتية.
وجرار، كان الاحتلال اغتال والده سنة 2002 بعد مطاردته لسنوات، فيما اغتال أحمد بالأسلوب ذاته لاتهامه بقيادة خلية عسكرية لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وسخّرت قوات الاحتلال إمكاناتها للوصول إلى جرار، حيث اجتاحت قرى عدة لأكثر من مرة، وقتلت واعتقلت أقارب له وشبانا آخرين.
واستمرت المطاردة نحو شهر، وهي الأطول منذ سنوات.
ووفقا لبيان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن جرار خرج من المنزل الذي كان يتواجد فيه حاملا بندقية أم-16 وقنابل يدوية، واستشهد بعد أن أطلق جنود الاحتلال وابلا من النار تجاهه.
وبدا المنزل الذي كان يتواجد فيه جرار مدمرا بعد مداهمة قوات الاحتلال له.
ويظهر في الصور المتداولة، مصحف مكتوب عليه بخط والده الشهيد نصر جرار "إهداء إلى ابني الغالي أحمد"، إضافة إلى بعض من ملابسه وقد كساها الدم، وقطع من السلاح.
وأبرزت صورة الشهيد جرار وهو ملقى على الأرض شهيدا، وقد غطى الدم وجهه.
هي ملحمة صنعها جرار بكل قوة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما كانت ابتسامته تعتلي وجهه في لقاءاته مع إخوانه وأصدقائه وصوره.
ويأتي هذا الفعل المقاوم من جرار، رغم التنسيق الأمني المستمر بين السلطة في الضفة الغربية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بموجب اتفاق أوسلو الموقع سنة 1993، والذي يلقى رفضا وطنيا واسعا.
بكل ما تمتلك (إسرائيل) من أسلحة تقليدية وغير تقليدية، وقوات وجنود عجزت عن اغتيال جرار فور تنفيذه العملية الفدائية، فقد أرهقها الرجلُ ببسالته في الدفاع عن نفسه، وأرضه، ومقدساته.
ويشكّل استشهاد جرار وظروفه، هزيمة لـ(إسرائيل) التي لطالما زعمت أن جيشها لا يُقهر، بينما قهره فلسطيني واحد يؤمن بعدالة قضيته، رغم تنكر العالم لها.