فلسطين أون لاين

الحكومة وغزة.. سياسة التخلي عن المسؤوليات

...
غزة- نور الدين صالح

منذ إعلان توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة بين حركتي حماس وفتح، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي -الذي أعقبه تسلّم حكومة رامي الحمد الله الوزارات والمعابر في القطاع- فإن حدة الأزمات فيه تزداد، بحسب مراقبين.

أزمة تلو الأخرى فاقمت المعاناة والخناق على أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في هذه البقعة الصغيرة (قطاع غزة)، في ظل ما يراه مراقبون تجاهلًا تنتهجه الحكومة، مع تشديدها الإجراءات العقابية ضد القطاع.

واتخذ رئيس السلطة محمود عباس اللجنة الإدارية المنحلة -التي كان المجلس التشريعي صادق عليها في مارس/ آذار الماضي، "لسد الفراغ" الناجم عن عدم قيام حكومة الحمد الله بمهامها في القطاع- ذريعة لإجراءات وصفها بأنها غير مسبوقة بحق غزة، طالت مناحي الحياة الأساسية. ولم يلغِ عباس هذه الإجراءات على الرغم من حلِّ اللجنة الإدارية.

ولطالما أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس استعدادها لحل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة، على أن تقوم حكومة الحمد الله بواجباتها. وفي 17 سبتمبر/ أيلول الماضي أعلنت الحركة حل اللجنة "استجابة للجهود المصرية الكريمة، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيرا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام".

ويستهجن الشاب أبو مصعب مطر (28 عامًا) السياسة التي تتعامل بها السلطة مع قطاع غزة، قائلًا: "إنها تنتهج أسلوب المماطلة في التعامل مع المواطنين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغير المسبوقة".

ويضيف مطر لصحيفة "فلسطين": "كان من الأجدى على السلطة، اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة لتحسين الوضع الاقتصادي، منها رفع الضرائب عن التجار ووقف الخصومات من رواتب الموظفين التي تمثل شريان الحياة لهم".

ويتابع: "كمواطن أطلب من رئيس الحكومة رامي الحمد الله، الإسراع في القدوم إلى غزة وبدء مشاريع تنموية وتشغيلية للخريجين، وتنفيذ وعوده لغزة".

أما المواطن أبو بلال الكرد (36 عامًا) لم يكن حاله أقل سوءًا من سابقه، إذ يقول: "الغزيون المحاصرون يعانون من مشكلات عديدة، اشتدت حدتها منذ تولي الحكومة مهامها وتسلمها الوزارات عقب اتفاق المصالحة".

ويصف الكرد لصحيفة "فلسطين" -وهو يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد- الأوضاع الإنسانية في غزة أنها "وصلت لحالة الانهيار".

ويستعرض الثلاثيني وهو من سكان مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، بعض الأزمات التي واجهها، وأبرزها نقص الوقود في المستشفيات في القطاع، مشيرًا إلى أنه اصطحب طفلته للعلاج في إحدى العيادات القريبة من سكنه، فكان رد الطبيب لا يوجد وقود".

ويتساءل: "ما ذنب طفلتي بأن تُحرم من تلقي العلاج، في ظل عدم تولي الحكومة مسؤولياتها في القطاع، وماذا تريد هي من الشعب؟". ويضيف إلى ذلك الارتفاع الملموس في أسعار المحروقات كونه يعمل على سيارة أجرة.

ويناشد الكرد، الحكومة بالوقوف عند مسؤولياتها تجاه أبناء شعبها الذي يعاني حصارًا قاتلًا في الوقت الراهن، "ليس هناك أي قدرة لدى المواطنين بتحمل الأوضاع الكارثية"، وفق وصفه.

كما يرى المواطن توفيق المصري أن الحكومة لم تقم بمسؤولياتها بشكل كامل في قطاع غزة، وفق اتفاق المصالحة الموقع برعاية مصرية.

ويؤكد لصحيفة "فلسطين"، أن تذرع الحكومة بعدم تولي مهامها في القطاع، أثر سلبًا على المواطنين، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لا سيما في ظل تواصل الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة على غزة وطالت مختلف القطاعات الحياتية في غزة.

ويدعو المصري، الحكومة للإسراع بتحسين الأوضاع المعيشية لأهالي القطاع، وتوفير فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل، وتنفيذ العديد من المشاريع الأخرى.

"الحكومة غائبة"

في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. مخيمر أبو سعدة، أن الحكومة غائبة تمامًا عن مساعدة قطاع غزة، وحل الإشكالات العالقة التي لحقت به، جراء الحصار المفروض عليه.

ويؤكد أبو سعدة لصحيفة "فلسطين"، أن الحكومة تخلت عن مسؤولياتها في تقديم أبسط الخدمات الأساسية اللازمة للغزيين مثل الصحة والتعليم.

ويقول: "كان الأجدر على الحكومة أن تتعامل بشكل أكثر جدية وإيجابية مع أزمات قطاع غزة وتعمل على إنقاذه من مستنقع سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية".

ويعتقد أن قطاع غزة يتعرض لانهيار "غير مسبوق" في التاريخ، بالتزامن مع استمرار عقوبات السلطة، التي طالت الموظفين وتأخير صرف مستحقات مستفيدي الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى تقليص عدد شاحنات البضائع عبر معبر "كرم أبو سالم" نتيجة انعدام القدرة الشرائية.

ويطالب أبو سعدة، الحكومة باتخاذ قرارات جدية تجاه قطاع غزة، أهمها رفع العقوبات، وإعفاؤها من الجمارك والضرائب الإضافية، مؤكدًا ضرورة التدخل الدولي للضغط على سلطات الاحتلال لرفع الحصار.

ويصف استمرار السلطة بفرض عقوباتها على غزة بأنه "عمل غير أخلاقي وغير منطقي"، خاصة أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى دعم مقومات صموده لمواجهة المشروع الإسرائيلي الأمريكي.

"الهيمنة والتفرد"

من جانبه، يقول مدير مركز "مسارات" لأبحاث السياسات والدارسات الاستراتيجية هاني المصري، إن الأوضاع في قطاع غزة، بدأت بالانهيار فعلًا نتيجة أسباب كثيرة أهمها الحصار الإسرائيلي الذي حوّل القطاع إلى "أطول وأكبر سجن جماعي عبر التاريخ".

ويوضح المصري في مقال له بعنوان "أنقذوا غزة"، أنه مما يطرح التساؤل والتعجب أسباب وضع الإجراءات العقابية واستمرارها.

ويرى المصري، أن معادلة الحل تكمن في تخلي رئيس السلطة محمود عباس، عن "الهيمنة والتفرد".

ويضيف: "لا يعقل ممارسة عقاب جماعي على القطاع".

ويشير إلى أهمية تشكيل "جبهة إنقاذ وطني تضم كل الوطنيين الحريصين على صون المصالح والحقوق الوطنية والديمقراطية، بمن فيهم الفصائل".