خلافاتها مع زوجها لا تنتهي، وغالباً ما تكون على أمور ومواضيع تافهة لا تستحق الخلاف والنكد، وصل بهما الحال في أكثر من مرة إلى الطلاق. الغريب في الأمر أنها تشعر طوال الوقت بأنها مظلومة لارتباطها بهذا الزوج الذي قضت في بيته أكثر مما قضت في بيت أهلها، وغدا أبناؤها خريجين جامعيين وآباء. كيف لا وهي ابنة المدينة، وسليلة عائلة ثرية منفتحة ونشأت في جو متحرر لا تقيدها حدود؟ أما هو فابن القرية، وابن عائلة متوسطة الحال، يكدحون ليعيشوا بكرامة.
ارتبط بها عاطفياً بعد أن خفق قلبه بحبها في "حب من النظرة الأولى" كما يقولون عندما جمعتهما شعبة واحدة في كلية الآداب خلال دراستهما الجامعية. وافقته على مشاعره، وانساقت معها، وصرحت له بموافقتها على الزواج منه. بذل ما بوسعه كي يذلل العقبات الكثيرة التي كانت تحول بينه وبينها، وافق على شروط أهلها التي لا تنتهي، حتى ضمهما بيت واحد في قريته.
تقول عنه: هو إنسان طيب وكريم، ولكني أرغب أن أكون حرة في ما أريد، لا أرغب أن تقيدني مسؤوليات زواج وأسرة، أحب أن أفعل ما أريد دون أن يتدخل في شؤوني أحد حتى زوجي، ألست إنسانة ناضجة بكامل قواي العقلية؟؟ مصيبته أنه يرفض ذلك ويستنكره عليَّ، يسألني عن كل شيء، ويتدخل في جميع شؤوني.. لماذا تأخرتِ اليوم؟ أين ستذهبين؟ بكم اشتريت هذا المعطف؟ لم تصاحبين هذه المرأة المشبوهة؟ ألن تتركي مانع الحمل، فأنا أرغب بطفل آخر؟... وهكذا.
اشترت شقة بالتقسيط، سجلتها باسمها، وراحت تدفع أقساطها من راتبها، جُنَّ جنونه عندما علم بالأمر ثم طلقها، أعادها إليه مرة أخرى قبل أن تنتهي العدة بأيام قليلة تحت ضغط الأبناء والأهل.. هي تعتقد أنه لا شأن له في هذا الموضوع ولا تدري ما الذي أغضبه، فالمال مالها، والأمر يخصها وحدها، وتتساءل قائلة: ها أنا ذا لا أسأله عن شيء يخصه، فليفعل ما يشاء، فلم يسألني عن كل شيء ويتدخل في شؤوني؟
كانت في رحلة مع صديقاتها عندما اتصل بها.. شاهدت رقمه، فلم ترد، قالت في نفسها: ماذا يريد "هذا" الآن؟ أعلم أنه سيقلبها نكد كعادته.. أطفأت الهاتف ووضعته في حقيبتها.. عادت في المساء، كان أمام البيت أصوات غير عادية. ماذا هناك؟ عظم الله أمركم.. توفي زوجك. صعقها النبأ.. ماذا تقولين؟ أقول ما سمعت.
لم تصدق أذنيها.. أمي، سندفن والدي بعد صلاة المغرب، ألا تريدين أن ترينه قبل الدفن؟ قال ابنها البكر ودموعه تنساب من مقلتيه، وتابع يقول: أعلم أنك على خلاف دائم معه، ولكن ألن تطلبي الصفح منه؟ لم تدرِ بماذا تجيب،
هل ستقول له كما هي عادتها: على ماذا أطلب الصفح منه؟ بيد أنها التزمت الصمت. أحست بالفقدان، وأمطر الندم غيومه السوداء في قلبها دفعة واحدة.. بكت، وشهقت، وغاصت في عالمها الداخلي. لم تعتقد أن تأتي النهاية سريعاً هكذا، كانت تعتقد أنه ما زال هناك متسعاً من الوقت.
فتحت هاتفها بعد ساعات عدة فإذا برسالة من زوجها على الواتس اب يقول فيها: "أنا تعبان جداً، صدري يؤلمني بشدة.. أعتقد أنها النهاية. اتصلت بك ولكن لم تردي كنت أريد أن أرك وأخبرك بأنني وبرغم كل شيء لا زلت أحبك.. أنت تعلمين ذلك في قرارات نفسك، ولكن لا أدر كيف تحسبين الأمور. على كل حال أنا سامحتك على كل شيء".
بكت كثيراً، ولكن، هل يجدي البكاء؟؟ وجدت نفسها بعده وحيدة، لم يعد يسأل عنها أحد، إن تأخرت لا أحد يتصل بها، تعود إلى البيت لا تجد طعامها مغطى في المطبخ وهناك من يهتم إن تناولته أم لا، تمرض وتلزم الفراش لا تجد من يحضر لها الدواء والحساء الساخن ويقلق على صحتها..
"يا إلهي.. كم كنت حمقاء!".