هل فكرتِ يوماً ماذا ستكون ردة فعلك إن تقدم لخطبتك مقاوم يحمل وطنه وقضيته في كفة ويحمل روحه في الكفة الأخرى؟ أتقبلين بمقاوم يترصده المحتل ويبذل ما بوسعه ليحيل حياته سواداً وخوفاً وإرباكاً ويقضي عليه إن استطاع الوصول إليه؟ المحتل الغاصب يضيق الخناق على كل حرٍّ أبيٍّ فلسطين همه، والقدس بوصلته، ولا يهنأ له عيش ما دام هناك مقاوم على هذه الأرض يدافع عنها ويبذل دمه ليحميها.
تقدم يطلب الزواج مني، وبعد الموافقة الأولية، طلب من والدي رؤيتي في بيت أهلي.. راح يناقشني بأمور كثيرة، سياسة، علوم، فن، تاريخ،... الخ. وكلما أجبته عن شيء سألني وناقشني بغيره. كان مثقفاً، وملمَّاً بالكثير وكان حافظاً لكتاب الله.
وقبل أن يغادر شعرت قلبي يتعلق به وينبض إعجاباً به، خاصة بعد أن همس في أذني قائلاً: أتقبلين الزواج من مطارد يطارده جيش الاحتلال ليل نهار ولا يترك له ساعة يرتاح فيها؟
فقلت له: سأقبل إن أجبتني عن سؤال: لماذا اخترتني أنا تحديداً لهذه المهمة الشاقة ألا يوجد غيري؟
فقال: لأنك لست كأية فتاة أخرى عادية. مثلك من تصلح لأن تكون زوجة مقاوم مُطارد، ومشروع حبيبة شهيد. ففي نظراتك تتجلى القوة والثقة التي تزلزل المحتل إن سولت له نفسه بأن يساومك، وفي كلماتك الحنان والرقة التي تسبغ على روح من هم مثلي السكينة والدفء. مثلك من تُربي القادة، وتدعم المقاومة وتمد فلسطين بالرجال والعزيمة والهمة. فكيف لي أن لا أختارك دون سواك؟. أنت لا تعرفينني، بيد أني أعرفك مذ كنت طفلة صغيرة، تعاركين أبناء الحي وتنتصرين عليهم، فكانوا يحسبون لك ألف حساب، لدرجة كانوا معها يقولون بأنك ولد مختبئ في ثياب بنت. والآن ها أنت تعاركين جنود المحتل بالإصرار ذاته الذي كنت أشاهده يلتمع في عينيك وأنت صغيرة.
ضحكت لكلماته وأجبته: أنا موافقة.
فقال: إذن لا بد لي أن أعترف لك قبل أن أمضي وأتمنى أن لا تغيري رأيك.
قلت: قل ما تشاء فكلي آذان صاغية، ولا تخشى شيئاً فأنا لا أغير رأيي بسهوله.
قال: لن يكون بمقدوري أن أكون إلى جانبك يوم الزفاف، برغم أن روحي ستحرسك، وقلبي يفترش الطريق أمامك.. لن أجلس إلى جانبك على المنصة أمام أقاربك وصديقاتك، ولن أمسك يدك وأوصلك إلى السيارة ومنها إلى عش الزوجية، بل لن يكون لنا عش واحد يجمعنا طوال الوقت كأي زوجين عاديين، سنكون كقيس وليلى، نتواعد ونلتقي في الخفاء، حسب الظروف، بعيداً عن العيون التي ترقبنا وتترصدنا، وقد يتغير الموعد والمكان في اللحظة الصفر، من يدري؟..
فقلت: لا يهم، مهما كانت ظروفك فأنا أقبل بك. فإن لم أكن أنا عون لمقاوم مثلك، من تراها تكون؟؟
خرج من بيت والدي على عجل، وقد صادر قلبي معه، وكأنني أعرفه منذ زمن طويل. ومنذ ارتبطت به أصبحت أدرك تماماً ماذا يعني أن تحب الفتاة مقاوماً.
تتزوج الفتاة لتستقر في بيت، يأتي رجلها مساءً من عمله، مرهق تعب، قد يكلمها ببضع كلمات وقد يغضب من كلمة تلقيها دون بال، فهو متعب لا قِبل له بتوتر الأعصاب والكلام الزائد. ولكنه في نهاية كل شهر يضع في حجرها مبلغ من المال، عوضاً لها عن صبرها وطول انتظارها وتحملها لعصبيته ونفاذ صبره. أما أنا فلا وجود للاستقرار في حياتي، ولكن يتجلى الحب المتجدد الذي لا يعرف الملل إليه طريقاً في كل لحظة، فالشوق شلال متجدد لا ينفذ، واللقاء ثمين لا نستطيع إضاعة لحظة منه بعبوس أو مشاعر سوداء. وردة شذية هي أجمل الهدايا وكلمة رقيقة نابعة من القلب هي أجمل الكلمات.
أن تحبي مقاوماً عليك أن تزيحي الغيرة جانباً فقلب رجلك لا يقتصر عليك وحدك، بل تنافسك عليه فلسطين، وتأخذ القسط الأكبر من اهتمامه وأيامه، فإن لم تكوني تعشقينها، وتسكنك، فلن تصلحي لهذا الرجل المختلف عن بقية الرجال.
أن تحبي مقاوماً لن ترى حبيبك يرتدي ملابس مختلفة تواكب صرعات الموضة، بل لباسه هو هو دائماً لا يتغير.. بدلته خضراء زيتية اللون، وقناع مثل لونها يقنع رأسه ووجه، ولا تظهر منه سوى عينيه اللتان تظهران كعيني صقر جارح.
أن تحبي مقاوماً يعني أنك طوال الوقت تنتظرين أن يُزف لك خبر فراق حبيبك، وانتقاله إلى السماوات العلى، فكل صوت غير معتاد يثير مخاوفك، وكل انفجار لإطار سيارة يوقع في قلبك الهلع.. وسقوط شيء بصوت مرتفع يجعل قلبك يتوقف عن الخفقان.. كيف لا وحبيب القلب في قلب المعركة وسط النيران؟ أو أنه مرابط على الثغور يحميها بكل ما يملك.
أن تحبي مقاوماً معناه أن هناك ضريبة مرتفعة القيمة عليك سدادها، لتثبتي له ولك أنك لها وأنك مختلفة عن كل نساء الأرض، فهل حقاً ستنجحين في هذه المهمة؟؟؟.