فلسطين أون لاين

​ببساطة.. أكثِر الشكوى

لم أعرف مطلقا أي أبٍ حدث واستيقظ صباحا وقال لزوجته "لقد فكرت بأربع طرق رائعة لتدمير احترام ابني لنفسه، سنأمره بأن يفعل كل ما نريد، ونسخر منه إن أخطأ، ونلومه وسيعاقب"

ولم يصرح أحد على الإطلاق أنه يؤذي أطفاله عن عمد.

لكن هذا ما يفعله معظم الآباء تماما دون قصد.

وعادة ما يحدث هذا نتيجة لعدم الوعي والخبرة بتربية الطفل.

لذا، فالأمر يتطلب منا شجاعة ووعي للقضاء على السلوكيات السلبية التي نستخدمها بلا وعي منا في تعاملاتنا مع أطفالنا سواء أكانت سلوكيات اكتسبناها من بيئتنا المحيطة أو بدت كنتيجة للظروف المحيطة أو لأننا كأهل لا نعرف ولم نتعلم السلوك الصحيح البديل.

الأطفال يتعلمون مما يعايشونه، كتاب كتبته د. دورثي لو نورتي وهي مربية أطفال أمريكية كتبت خلاصة تعليمها للأطفال في دور الحضانة على شكل تعليمات ترد على جميع استفساراتهم حول المعنى الحقيقي للتربية، وهي دليل موجه للآباء الذين يقومون بأعظم مهمة في حياتهم على الإطلاق ألا وهي تربية الأطفال تقول: "يتعلم الأطفال السخط إذا نشؤوا في جو من الانتقاد".

إن أعظم تأثير للآباء على أبنائهم "القدوة" التي يقدمونها لهم في حياتهم اليومية.

برسالة واضحة وبسيطة يتعلم أولادنا منا فهم ينتبهون إلينا بشدة وربما لا يهتمون بما نأمرهم بما يجب أن يفعلوه؛ ولكنهم بالتأكيد سيهتمون بما يروننا نقوم به من أفعال وتصرفات لأننا بالنسبة لهم القدوة الأولى والأقوى والأكثر تأثيرا عليهم.

"وينشأ ناشئ الفتيان منا :: على ما كان عوده أبوه".. هكذا قالت العرب لقد فطنوا إلى دور القدوة المرئية لا المحكية من خلال الأوامر والتوجيهات من الأم أو الأب.

الأطفال بالفعل يتعلمون مما يمرون به في حياتهم اليومية وعندئذ يشبون ليطبقوا ما تعلموه في صغرهم، فهم مثل الإسفنجة تماما يتشربون كل ما نقوله أو نفعله، ويتعلمون منا طوال الوقت سواء أدركنا أننا نعلمهم أم لا، فإن كنا من النوع الذي يميل للانتقاد أو الشكوى من الآخرين أو من العالم حولنا والأوضاع التي نعيشها فإننا نعلمهم انتقاد الآخرين وربما نعلمهم الأسوأ وهو انتقاد أنفسهم، وبذلك فنحن نعلمهم رؤية السلبيات والتركيز عليها بدلا من الإيجابيات.

يتعلم الأطفال السخط إذا نشؤوا في جو من الانتقاد، يتم توصيل الانتقاد من خلال العديد من الطرق مثل الكلمات أو نبرة الصوت أو السلوك، أو حتى مجرد نظرة، فجميعنا يعرف كيف يوجه نظرة ناقدة ونظرة راضية لطفله، أو يضيف ملاحظة انتقادية في أثناء حديثه.

ولا يجب أن ننسى أن الأطفال الصغار حساسون بشكل خاص لطريقة الكلام ويتأثرون بها بشدة، فنبرة صوتك تدل ضمنا على القول إما "إنك رائع" أو "إنك فاشل"، الأسوأ أن هذه الرسائل تترك الطفل بحالة من عدم الرضا عن نفسه.

عندما ننتقد أطفالنا فإن هدفنا في الغالب يكون تشجيعهم على التصرف والظهور بشكل أفضل، فربما تكون هذه هي الطريقة التي علمها لنا آباؤنا عندما كنا أطفالا، وأحيانا قد نلجأ إلى انتقادهم كنوع من التفريغ عن تعبنا؛ لكن الأطفال _كل الأطفال_ لا يعتبرون الانتقاد وسيلة للتشجيع إنما ينظر الطفل للانتقاد على أنه هجوم شخصي مما يجعله في الغالب يتخذ موقفا دفاعيا بدلا من أن يكون متعاونا وقد يصعب على الأطفال الصغار فهم أن سلوكهم هو المرفوض وليس شخصهم مما يقلل من إحساس الطفل بذاته.

إن عتابك لطفلك المبالغ فيه أو العقاب يخلق النفور وليس التقارب، والحقيقة هي أننا جميعا نخطئ وأن الحوادث تقع ولا بد من أطفالنا أن يخالفونا، والرد برسائل معينة في هذه الأوقات يجعل من السهل على أولادنا أن يتعلموا من خلال التجربة ويربطوا بين الفعل والنتيجة.

التذمر.. التذمر... التذمر

لذا لا تكثر من الشكوى بين نفسك ولا أمام طفلك.

والشكوى مثل التذمر تماما في كونها طريقة غير فعالة للقيام بالتغيير، وليست نموذجا يتعلم منه الطفل؛ إذ إن الشكوى تركز على الصعوبات ومظاهر النقص وخيبة الأمل ولا تركز على الحل، ونحن لا نريد أن يعتقد أطفالنا أن طريقة التغلب على المشاكل هي الشكوى منها، فتجنب الشكوى، وبدلا منها فكر في الحل وحفز طفلك على التفكير مع نفسه أيضا.

فكر في كم التذمر الذي تمارسه كل يوم وستندهش عندما تدرك مدى ما تشكو منه بالفعل، سواء كانت الشكوى من موقف معين في عملك أو من أوضاعنا المحلية غير المستقرة أو حتى من حالة الطقس.

على الرغم من أننا جميعا قد نحتاج إلى الشكوى بين الحين والآخر، إلا أنه يجب أن نتذكر أن ما ينطبق على الأطفال للتوقف عن الشكوى ينطبق علينا نحن كآباء أيضا، خصوصا الشكوى من الأزواج التي تشعرهم بأنهم يجب عليهم أن ينحازوا لأحد الوالدين ضد الطرف الآخر، وهذا موقف صعب بالنسبة لطفل؛ لأنه يشعره بتمزق ولائه بين أبويه.

لذا يجب علينا ألا نثقل كاهلهم بالشكوى قبل الأوان.