فلسطين أون لاين

هل حقًا لنا نصيب من أسمائنا؟

"لكل من اسمه نصيب"، قول يتداوله الناس حين الحديث عن الأسماء، وهناك من يعتقدون به حد الإيمان. كان أحد الحاضرين يشارك في النقاش حول الأسماء وتأثيرها في أصحابها، فراح يؤكد هذه الحقيقة قائلًا: سمتني أمي ناجحًا لأنجح في حياتي، خاصة أن جدتي كانت تعايرها دائمًا بأنها امرأة فاشلة، وسيكون نسلها فاشلين كذلك. وما وجدته أنني أخذت نصيبي من هذا الاسم فأنا أجد النجاح حليفي في كل ما أقوم به.

قالت لي جارتي يومًا وهي تُكنى بـــ"أم العبد": عندما أنجبت ابني الأول أردت أن أسميه محمد، تيمنًا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن زوجي أصرَّ على أن يسميه "عبد المطَّلب". وتابعت كلامها قائلة: قلت له حينها إن "المطَّلب" ليس من أسماء الله الحسنى ليصبح اسمًا مركبًا من كلمة "عبد" و"المطَّلب"، ولكنه رفض كلامي وسمى الطفل "عبد المطَّلب" على اسم والده، ضاربًا بعرض الحائط جميع الموانع المقنعة التي تبعده عن هذا الاسم، متَّبعًا العادات والتقاليد التي تكاد تصل لدرجة من التأثير والقوة ما يفوق الدين.

أما سناء، التي جمعني العمل التطوعي معها، فحالها حال من الناس؛ لها اسمان، أحدهما الاسم الرسمي المقيد في الوثائق الرسمية، والآخر هو المستعمل والشائع بين من يعرفونها. نادتها المديرة في بداية عملي معها باسم لا أعرفه قائلة: "سعدية، افعلي كذا وكذا"، لم أدرك للوهلة الأولى أن تكون سناء هي المقصودة، فهي ليست سعدية.

لا أدري ما الذي طرأ على ذاكرتي لأتذكر حادثة أعتقد أن لها علاقة بزميلتي هذه. فقد كانت في مدرستي طالبة متواضعة الجمال، تلفت انتباه الطالبات إلى طريقة لباسها التي تليق بامرأة كبيرة في السن لا بفتاة في الصف السادس، في الثانية عشرة من عمرها. كان اسمها "سعدية"، في حين كانت أسماء الطالبات تواكب أسماء ذلك الوقت الذي لم يكن سعدية من بينها.

كانت الطالبات يتهامسن حول مقتها لاسمها، وشعورها بالحرج حين تضطر للنطق به أمام الناس.. كانت مكتئبة معظم الوقت، منزوية بعيدًا عن طالبات المدرسة. ولشقاوتي، حاولت الاحتكاك بها ومصادقتها، ولكنها لم ترحب بصداقتي، وكان سلوكها شديد الجمود معي، فآثرت الانسحاب بهدوء.

وما إن أصبحتْ في الثانوية العامة وبلغت الثامنة عشرة من عمرها، حتى بلغني أنها قد غيَّرت اسمها، ليحل محله اسم سناء الذي تحبه وتُعجب به. وما إن علمتُ الخبر حتى رحت أناديها باسمها الجديد.. سناء.. سناء. نظرتْ إليَّ باستغراب لم أدرِ له سببًا حينها وقد كنت أعتقد أنني أدخل السعادة إلى قلبها.

على قوائم الأسماء على الواتس آب، وجدت اسم سناء ليمثلها وليس سعدية، فراحت مجموعة من الأسئلة تلح عليَّ: لماذا لا يختار الآباء لأبنائهم أسماء جميلة تواكب وقتهم وزمانهم؟ لماذا يعبر الأبناء في مجتمعنا الشرقي عن حبهم لآبائهم بإطلاق أسماء آبائهم على أبنائهم الصغار حتى وإن كان الاسم قد ولى زمانه؟

لا ننسى أن هناك أسماء قديمة العهد ولكن ما زال لها بريق ورونق لم يخفت مثل أسماء: فاطمة، وزينب، وعائشة، ومحمد وعبد الرحمن، وعبد الله...الخ. كما أن هناك أسماء جديدة وصرعات لأسماء بات العرب يسمونها بالرغم من أنها ليست من العربية في شيء، كما أنها لا تليق بمسلم أن يتسمى بها، بالتركيز على أسماء البنات أكثر من الأولاد. وما سموا أبناءهم بها تيمنًا بأبطال أفلام ومسلسلات ومشاهير. فكان اسم كسندرا، ورينال، وليليان.

فلتكن أسماؤنا جميلة ولكن ليكن لها معنى لائق يليق بنا، ولنتذكر أن الطفل صاحب هذا الاسم لن يبقى صغيرًا، ولن يبقى حبيس البيت، بل سيكبر، وسيتعامل مع المجتمع الذي سيناديه باسمه.. ولن يكون لائقًا أن ينادي ابنتك أحد بقوله: يا غرام... وأن ينادي ابنك أحد بقوله: يا هوان.