حين دقت عقارب الساعة عند السادسة من مساء يوم الخميس المنصرم، إذ بأحد ضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي يقف أمام بوابة السجن، حيث تقبع الفتاة نور التميمي (20 عامًا) خلف قضبانه، ليخبرها بنبأ الإفراج عنها.
هنا اخترقت مشاعر الفرح قلب نور، التي أمضت 16 يومًا في سجون الاحتلال، وتنقلت بين زنازين الظلم عدة مرات في أثناء التحقيق معها، وأخذت تودّع رفيقاتها في السجن.
لكن كعادته يأبى الاحتلال أن يسود الفرح قلوب الأسرى الفلسطينيين حينما يقترب موعد معانقتهم الحرية، عبر ممارسة أسلوب التأخير في الإفراج وسياسة "اللعب في الأعصاب".
بدأت إدارة سجون الاحتلال باختلاق الحجج أمام نور، فتارة "الأوراق الخاصة بالإفراج عنك غير موجودة، وأخرى لم يحِن الإفراج عنك بعد"، وفق ما روت التميمي لصحيفة "فلسطين".
وعندما دقت الساعة الحادية عشرة مساءً أطلق الاحتلال سبيلها، في محاولة منه لدب الخوف والرعب في قلبها، إضافة إلى اصطحابها عند حاجز بعيد جدًا عن منزلها، ويُدعى "جبارة" في طولكرم، وفق قول الشابة العشرينية.
وتحكي التميمي وهي تستذكر تفاصيل الإفراج، أن الاحتلال تركها عند الحاجز ومنعها من الاتصال بوالدها، ما دفعها للسير في عتمة الليل بين الأراضي الخالية، ما أثار الخوف لديها.
فبعد السير مشيًا على الأقدام ليلًا مسافة وصفتها نور "ليست قليلة"، إذ بها ترى والدها عن بُعد "وهنا بدأت أشعر بالارتياح إلى حدٍ ما".
وفي أثناء الحديث معها، أخذت نور وهي طالبة مستوى ثانٍ بقسم الإعلام في جامعة القدس "أبو ديس"، تقلّب صفحات الأيام "السوداء" التي قضتها خلف قضبان الأسر طيلة الـ16 يومًا.
أولى أيام الاعتقال كانت "صعبة" كما وصفتها التميمي، خاصة أنهم اعتقلوها بطريقة وحشية من بين أفراد عائلتها وسط بيتها فجرًا، حيث اصطحبها جنود الاحتلال إلى مركز التحقيق العسكري "بنيامين" في رام الله.
وتضيف: "الاحتلال وضعني في زنزانة صغيرة قرابة 22 ساعة، على كرسي خشبي، قبل التحقيق من أجل وضع مزيد من الإرهاق والضغوط النفسية، لإجباري على الاعتراف بقضايا لم أفتعلها"، مشيرةً إلى أن التحقيق استمرّ 3 ساعات.
وتحكي التميمي، أنها قضت أول خمسة أيام من الاعتقال في سجن "هشارون"، أمام باقي الأيام انقضت في التنقل بين المحاكم وزنازين التحقيق، منوهةً إلى أنها عاشت أيامًا في غاية الصعوبة، لم تغمض عينيها خلالها.
آخر فصول العذاب في السجون، وفق نور، حينما وضعها الاحتلال في زنزانة صغيرة جدًا في سجن "عوفر"، شديدة البرودة، لمدة 13 ساعة متواصلة، وحرمانها من أبسط مقومات الحياة.
أما جلسات التحقيق فكانت لها رواية "ظلم" أخرى التي وصفتها بـ"الذل"، تمثلت بالانتظار الطويل إلى حين وصول دورها، للدخول للمحكمة، وصولًا إلى تهديدها باعتقال أفراد عائلتها وتخريب بيتها، من أجل إجبارها الاعتراف على أمور لم ترتكبها.
وبحسب نور، فإن المحكمة اختلقت تهم ضدها لم تكن موجودة بالأصل، مثل التحريض، وضرب جندي إسرائيلي، وإعاقة عمل جندي آخر.
ورغم ويلات العذاب التي ذاقتها نور في سجون الاحتلال، إلا أن ذلك لم يثنِها عن مواصلة نضالها، متابعةً: "نحن بدأنا بفكرة المقاومة، ونعلم أننا سندفع الثمن، لكن ذلك لم يفت من عزيمتنا".
أما ناجي التميمي والد الشابة نور، فعبّر عن سعادته بالإفراج عن ابنته، ما دفعه ذلك لتوزيع الحلوى على كل من جاء مهنئًا بالإفراج عن نور.
وأبدى التميمي في حديثه لـ"فلسطين"، سعادته بالإفراج عن ابنته، لكنه استذكر الأسيرات الأخريات القابعات في سجون الاحتلال، مشيرًا إلى صعوبات لحظات اعتقال الفتيات خاصة.
وأوضح أن عائلته وقعت أيضًا على كفالة أخرى بقيمة عشرة آلاف شيكل، ستدفع في حال لم تمثل نور أمام قضاء الاحتلال لمحاكمتها، إضافة إلى توقيع كفيل يحمل الهوية الإسرائيلية.
وبيّن أن من شروط الإفراج أن تتوجه نور كل يوم جمعة لإثبات وجودها، مشيرًا إلى وجود محاكمة لها، الأمر الذي جعله لم يستبعد إصدار حكم يقضي بحبسها مرة أخرى.
وأضاف: "سنواصل مقاومة الاحتلال ونحن ندرك أن مسيرة النضال لها ثمن، ونحن مستعدون لذلك".
وأفرجت سلطات الاحتلال فجر أول من أمس، عن نور التميمي وهي من قرية النبي صالح، مقابل كفالة مالية بلغت خمسة آلاف شيكل (1500 دولار).