رسمَ الشاب سليمان حسنين أبو نجا خريطة وصوله إلى مبتغاه وهدفه الأسمى في الحياة الدنيا، ثم بدأ يسير بخطى ثابتة نحو ما يريد إلى أن ناله بارتقائه شهيدًا بتاريخ 29/10/2009م، خلال مهمةٍ جهادية آنذاك، ولم تفصح كتائب القسام عن طبيعة المهمة، لاسيما أن بناء منظومة الأنفاق كان حديث عهد وغير معلن لوسائل الإعلام.
كل من عرف سليمان شهدوا أنه كان شابًّا ذا خلقٍ رفيع، صاحب ابتسامة تحمل الكثير من حياء وهدوء صاحبها، همته عالية ولا يعرف للسكون طريقًا، ولا عجب أن يكون لائقًا بالجهاد والإعداد.
كان من أوائل العاملين في أول "مشغلٍ" لكتائب الشهيد عز الدين القسام في كتيبة الشابورة بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، في إطار تجهيز الأنفاق الدفاعية، وهو أول الراحلين من شهداء الإعداد والتجهيز.
المهمة التي قضى فيها سليمان هي عمله في أحد أنفاق الكتائب الدفاعية برفح، التي كانت أول مدينة تخرج منها فكرة الأنفاق الهجومية ضد مواقع الاحتلال على حدود رفح الجنوبية.
نشأة إيمانية
بهذه الكلمات عرّف شقيقه محمد أبو نجا الأخ الراحل: "ولد سليمان في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1988م، ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة ابن سينا للاجئين، ثم انتقل ليدرس الإعدادية في مدرسة "ج"، ولحبه الأعمال الكهربائية التحق بكلية الصناعة في غزة ليدرس الكهرباء".
وذكر أن شقيقه كان الذراع اليمنى لوالده، لاسيما أنه كان يساعده في إنجاز أعمال الكهرباء والسباكة والبلاط التي تعتاش منها عائلته، وكان رحيمًا بوالدته بارًّا حنونًا، ومصدر إلهامٍ وإرشاد لإخوانه الصغار بالالتزام بالصلوات وحفظ القرآن الكريم.
وحسب ما بين شقيقه إن سليمان اهتدى إلى طريق الالتزام والمسجد منذ نعومة أظفاره، لاسيما أن شارعًا صغيرًا يفصل بين منزلهم ومسجد الفاروق.
حبه للجهاد والمجاهدين والتحاقه بكتائب القسام عام 2006م كانا نتاجًا لمسيرة التزام في أحضان مسجد الفاروق، وسط مخيم الشابورة، ورعايته في أسرةٍ مؤمنة بالمبادئ الإسلامية وحب المقاومة.
وأشار إلى أنه استقى تعاليم الدين ودروس الرجولة من آيات الله، وسيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، فكان نعم التربية ونعم الشاب ونعم المجاهد، قائلًا: "عهدته محافظًا على الصلوات الخمس في المسجد، خاصة صلاة الفجر، ومحبًّا لحلقات القرآن والحديث".
عزيمة لا تلين
أحد رفاقه في العمل العسكري الذي صار قائدًا ميدانيًّا _ويدعى أبا محمد_ بين أن سليمان كان مولعًا بالأعمال الجهادية، ويتحلى بسرية تامة ودقةٍ عالية في المهام الموكلة إليه.
وأشار أبو محمد إلى أن رفيقه التحق بـ"وحدة مكافحة الإرهاب القسامية" الاسم الأول لوحدة الأنفاق في كتائب القسام، وعملَ في أول مُشغلٍ للكتائب في كتيبة الشابورة، قائلًا: "ظل سليمان متمسكًا بعمله في حفر الأنفاق حتى استشهد، مع المشقة والتعب وبدائية الطرق المستخدمة في الحفر".
وتابع حديثه لمراسل صحيفة "فلسطين": "إن سليمان كان يعمل في جهاز الدوريات في الشرطة الفلسطينية، ولا يركن إلى الراحة أبدًا، فبعد انتهائه من العمل في الشرطة يأتي للعمل بحفر الأنفاق، ولا يحظى إلا بساعاتِ نومٍ قليلة بينهما".
ولفتَ إلى أنه تميز في الأعمال الكهربائية، وسخر خبرته فيها لمنظومة الأنفاق، وإجراء أعمال صيانة دورية في الخطوط داخل الأنفاق، إلى جانب مشاركته بيديه في حفر الأنفاق بالأدوات البدائية.
وقال أبو محمد: "بعد سنواتٍ من عمله في الأنفاق أُوكلت إليه مهمة قيادة (شفت) مجموعة عاملة في حفر الأنفاق، ومع ذلك كان يعمل معهم يدًا بيد ويدفعهم نحو العمل بهمة وعزيمة لإنجاز مساحات أكبر".
بدا متأثرًا بوصفه للمجاهد الشهيد: "عشقَ سليمان الجهاد، ووهب دينه نفسه وماله ووقته، وكان يتأثر كثيرًا عند تأخره أو تأخر أحد إخوانه عن المهام الجهادية التي يكلفون بها، ولم يذكر عنه توانيه في تلبية النداء الجهادي، بل كان ينطلق مسرعًا إلى بيوت المجاهدين يأتي بهم إلى المهام ويحفزهم على العمل والعطاء".
وكان الشهيد لحوحًا في طلب الانضمام إلى وحدة الاستشهاديين في الكتائب، بعد نجاحه في المهام الموكلة إليه في القوة القسامية الخاصة، وجهاز الإشارة القسامي، وضمن وحدة الهندسة القسامية، وفي الرباط المتقدم، وأخيرًا ضمن وحدة الدفاع الجوي.
وسُجِّل لسليمان شجاعته وحبه للجهاد والشهادة حين كان صبيًّا، إذ انطلق إلى مستوطنة (موراج) سابقًا حين كانت تفصل بين مدينتي رفح وخان يونس إبان انتفاضة الأقصى، فألقى عددًا من القنابل اليدوية عليها، وقد أطلقَ نحوه جنود الاحتلال وابلًا من الرصاص دون أن يصيبه.
وسُجل ارتقاء عشرات الشهداء في أنفاق المقاومة الفلسطينية في أثناء الحفر والإعداد والتجهيز، في حين أظهرت الأنفاق قدرة عالية على المناورة، وخروج المجاهدين خلف خطوط العدو، ليقتلوا منهم ويصيبوا ويأسروا، في الحروب السابقة على غزة.