سأل الطفل أباه بينما كان منهمكا كل يوم في الاهتمام بسيارته: كم ساعة تقضي في غسل سيارتك، فكانت إجابة الأب ساعة يوميا..
ماذا لو كانت هذه الساعة لي أنا أو معي أنا؟ هذا ما فكر به الطفل فورا مع نيران من الغيرة والألم تشتعلان في قلبه.
إن أطفالنا بحاجة ماسة لنا ولقربنا.. لا أقصد مجرد تلبية حاجاتهم الأساسية من طعام وشراب وغيره من الأمور الخدماتية التي لا أرى أنها هي المعنى الحقيقي للأمومة، فللأمومة هنا وجه آخر.
عجبت من صديقتي التي كانت تقضي أوقاتا كبيرة مع أطفالها لقضاء بعض الأنشطة، التي ربما هي في نظرنا بسيطة أو ربما نعتبرها مضيعة للوقت، فتأملت وفكرت في مدى السعادة التي ستعود على أطفالي إن مارست معهم بعض الأنشطة.
في البداية كنت أراقب بصمت، ثم شدتني الحماسة أن أجرب، فبدأت ولكني قبل أن أبدأ اتفقت مع أطفالي على أن أقضي معهم وقتا مخصصا يوميا ويكون فقط لهم لممارسة أنشطة متنوعة.
رحب أطفالي بالفكرة وفي كل يوم ينتظرون بلهفة وشوق ما هو نشاط اليوم؟
إنني في البداية لم أقدر قيمة هذا الوقت، ولكني الآن علمت مدى السعادة والفارق الجوهري الذي صنعته ساعة يوميا أو أقل في علاقتي مع أطفالي.
لقد مارست معهم جلسة صفاء وفضفضة ما قبل النوم، كانت جميلة جدا، كانت بمثابة استرخاء وتواصل وراحة نفسية لي ولهم.
أما الآن.. فبدأت أفكر كل يوم.. ما الجديد؟ ما الشيء الممتع الذي سأمارسه معهم اليوم، ما هو النشاط المميز والفاعل الذي سنتشارك به معا وسويا.
هذه الساعة التي أقضيها معهم.. تعني لأطفالنا الكثير.. إنها تعني رسالة فحواها (أنت مهم لي وأنا أحب الوجود معك).
إن الطفل يشعر أنه أهم شيء في حياة والديه حينما يجلسان معه ويشاركانه، هذا الوقت الثمين الذي يثمر تربية إيجابية، فيها يتعلم الكثير من المعارف والخبرات والقيم المفيدة.
إن قضائي لبعض الوقت مع طفلي وتخصيصه زمنيا يشعر ابني بمدى أهميته ويغرس في قلبه الثقة وينمي لديه أواصر الحب والتواصل.
لقد كنت أفكر أنه علي أن أحافظ على نظام وترتيب المنزل طوال الوقت وأوفر لهم حاجياتهم.. دون أن أفكر للحظة أن هناك ما أهم من هذا كله.. ألا وهو استثمار هذا العقل الصغير وتنميته وإنشاء علاقة حميمية معه.
إن هذه الساعة هي واحدة فقط يوميا، ولكنها تعني لفؤاد طفلي الكثير.. إنها تعني الحب والتواصل والحوار والمعرفة والمهارات المختلفة والذكاءات المتنوعة التي تجعل قدراته تفوق أقرانه.
قراري هذا أن أخصص وقتا لأطفالي جعلني أعيد ترتيب أولوياتي، جعلني أخطط بطريقة أفضل.. عندما فكرت جيدا قلت لنفسي: أطفالي سيكبرون ثم يرحلون لبيوتهم، وأعمال المنزل لن تنتهي أبدا، فقررت أن أركز أكثر معهم وأنتبه لنفسي ولهم، فإن نظمت وقتي استطعت أن أعطيهم وأن أبذل ما بوسعي لأسعدهم.
وأنت أيضا أيتها الأم الغالية بإمكانك أن تقدمي لهم الكثير.
بإمكانك أن تقرئي قصة أو تمرحي بلعبة وتغني معهم أو تشاهدي فيلما تعليميا أو تربويا أو تمارسي نشاطا تعليميا أو مسابقات ثقافية أو فكاهات متنوعة.
تأكدي تماما.. ستمضي طفولتهم وسيذكرون منها هذه اللحظات الجميلة التي ستبقى راسخة في أذهانهم، ولن ينسوها أبدا بإذن الله. وسيشكرونك يوما ما بطريقتهم ولن تندمي على هذا الغرس الجميل الذي غرستيه في نفوسهم وعقولهم.
أنت اليوم تغرسي وغدا تجنين الحصاد، فتحصدين حبا وأدبا وأسرة سعيدة متحابة.
وداعا للنوم دون أن تكوني بينهم، كوني دوما في أحضانهم، اجعليهم يغمضون أعينهم على أنغام حكايتك الجميلة، وذكريهم بالله الذي يحفظهم في نومهم، وادعي لهم بصوت مرتفع واحضنيهم مرة أخرى وقبليهم قبل النوم وامسحي رءوسهم وأجسادهم كي تكوني جزءا من يوميات أم مثالية..