فلسطين أون لاين

​المعلم القدوة

تعمدت أن تقف بجوار زوجها في الصلاة حين سمعت خطوات أبنائها عائدين إلى المنزل، فإذا بهم يدخلون ويسرعون للوضوء والاصطفاف بجوار والديهم.

حمدت الأم الله كثيرا وسعدت بهذه النتيجة المثمرة والفورية، والتي كانت على عكسها دوما تعاني من تذكيرهم والقول لهم: هيا للصلاة.

حقيقة.. إن النصيحة بالعمل أرجى قبولا من القول، فالأذن تمل من كثرة الكلام أما العين تعشق ما ترى والعقل يفكر فيما رأت، والقلب يهوى ناظره ويألفه.

ذات يوم خرجت طالبتي لتمارس دورها كمعلم صغير، فضحكت داخل نفسي على نفسي؛ إنها تقلد كل حركاتي وكلماتي حتى ملامح وجهي ..إنها صغيرة في عمر الزهور لكنها أجادت تقليدي بمهارة عالية.

إن الأطفال أذكياء جدا أكثر مما قد نتصور، فهم يقلدوننا في وعينا ولا وعينا، في عاداتنا وكلماتنا وأدق تفاصيل حياتنا التي قد لا نعيرها اهتماما.

أحيانا لم أكن أنتبه لبعض عاداتي الصغيرة سواء سيئها أو حسنها إلا عندما رأيتها على أحد أبنائي يقلدني بها.

إنهم يلاحظون كل شيء. ترحيبك بالضيوف، كرمك، إنفاقك، راحتك، مللك، مشاعرك، حزنك، فرحك، وما يغضبك. إنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يرضيك برغبتهم، ورفضه بمزاجهم، حتى تقلب مزاجك يلمحوه في عينيك.

أذكر أنه في يوم ميلادي فاجأتني إحدى طالباتي وكتبت على السبورة هذه العبارة الجميلة: "عيناك صندوق رسائل، وأنا وقلبي ساعٍ للبريد". أعجبتني كثيرا هذه العبارة، وتأملتها فإذ بي أرى أنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني الجميلة. إنهم يلمحون فرحي وحزني، ويتقاسمون الحب الذي يسكن في عيناي.

حقا إن الأفعال أبلغ من جميع الأقوال: "وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه".

إن البيت الذي يعج بحفظة كتاب الله يخرج منه أجيالا حفظة، وإن الوالدان اللذان يلزمان تلاوة القرآن يجدا حب أبناءهما لتلاوته.

والأبوان اللذان كان شغلهما الشاغل تصفح الصفحات الالكترونية والإدمان على الانترنت والاستيقاظ على متابعة الجوال، ويغمضون أعينهم عليه. بالتأكيد سيجدا أبناءهما يحذون حذوهما.

والبيت الذي تسمع فيه الغناء لا تعجب إن وجدت فتياته يجدن الرقص.

كما أنت سيكون أبناؤك، فصلاح الأبناء من صلاح الآباء، فاصنع حياتهم بيديك وحسن صنيعك.

إن زيارة لمدة عشرين دقيقة لبيت العمة أو الخالة أو الجدة تغني عن عشرات الخطب والمواعظ في صلة الرحم وبر الوالدين، وإن حلقة قرآن في المنزل مع الوالدين تغني عن عشرين حديثا نبويا في ذكر فضائل تلاوة القرآن.

وإن من أكثر ما يسعدني مع طالباتي حين أجدهن بدأن يفكرن مثلي أو يقرأن أفكاري ويقترحن بعض الأفكار الجديدة ويبدين آرائهن فيما أقدم لهن، هذه المرحلة أشعر بالفخر والرقي للوصول لهذا المستوى.

أن تكون قدوة يعني أن تحسن انتقاء أفعالك قبل أقوالك، فقط كُن أنت ما تريده منهم، وهذا كله من الله الموفق.