قال عمر بن الخطاب قبل 1430 عاماً: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، وذلك لخطورة الفقر على البشرية والمدنية بجميع نواحيها، فالفقراء يزدادون عدداً، وتزداد أوضاعهم سوءاً، وتنعدم الفرص أمامهم، لدرجة وفي الوقت ذاته يزداد الأثرياء ثراءً. وعندما سأل صحفيٌ فقيرًا كينيًا عن معنى الفقر فأجاب: لا تسألني ما هو الفقر لأنك التقيت بي خارج مسكني. انظر إلى بيتي وأحصي عدد الحفر. وانظر إلى أدواتي والملابس التي أرتديها. انظر إلى كل شيء ثم اكتب ما تراه.
وصف رئيس دولة جنوب إفريقيا "مبيكي" العالم في مؤتمر الأرض عام 2003 والذي عُقد في جوهانسبرغ قائلاً: "العالم أصبح اليوم جزيرة من الأغنياء تحيط بها بحار من الفقراء". لننظر حولنا، تطورت البشرية في جميع النواحي الحياتية، وأصبحت محاطة بعالم ذكي بدءًا من الهواتف النقالة وحتى السيارات والمدن وهكذا، واستثمرت جميع الخيرات والموارد المتاحة على هذا الكوكب، وهو ما يقودنا إلى توقع الحد الأدنى من الحياة الكريمة لجميع البشر على هذه الأرض والواصل عددهم لما يقارب 8 مليارات نسمة.
ومع الجري السريع للأيام وتبدل الأعوام، نتساءل هل طرأ أي جديد على الفقر والفقراء في هذا العالم؟ ألا نلاحظ أن الوضع لم يزدد إلا سوءاً؟ سنوات عجاف أهم سماتها الموت والمرض والجوع والجهل، وبشرية متهالكة وكوكب يكاد ينقضُّ على من فيه لكثرة الملوثات والنكبات البيئية.
أعلنت منظمة الأغذية العالمية (فاو) التابعة للأمم المتحدة أن حوالى 21 ألف شخص يموتون يومياً بسبب الجوع، ما يعني موت شخص واحد كل أربع ثوانٍ، غالبيتهم من الأطفال. و"تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين".
تصوروا أن ما يقارب نصف من يعيشون على كوكب الأرض من البشر، يعيشون تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.
وتوضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.
بينما نجد ما نسبة 33.3% من البلدان النامية ليس لديهم مياه شرب آمنة وصالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
لو بحثنا عن أسباب الفقر سنجد أن:
شعار العولمة الذي رفعته الدول الغربية تحت حجج شتى ساهم في نشر الفقر في العالم، فقد ارتفعت أصوات الخبراء لتنذر وتحذر من دور العولمة في نشر الفقر وتدمير اقتصاد الدول النامية. على سبيل المثال: يقول جورج سروس أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد: "أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف (ويعني البلدان النامية) إلى المركز أي الدول الغربية"، وهذا يعني باختصار أن العولمة حولت فتات ما كان يقتات عليه فقراء العالم إلى موائد المتخمين.
من الأسباب الأخرى للفقر العقوبات الاقتصادية وغزو واحتلال الدول بحجة القضاء على الإرهاب، ما أدى إلى تفاقم مشكلة الفقر ودمرت دولاً وحولت شعوباً كانت في الأصل مكتفية ذاتياً إلى حالة من الفقر الشديد، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: فلسطين والعراق، وأفغانستان، وسوريا...
دفع الفقر المنشر في بقاع شتى من العالم، الملايين من الشعوب إلى الهجرة للدول الغنية سعياً وراء العيش الكريم وهرباً من الفقر الذي كاد يكون ملاصقاً لكونهم أحياء.
فهل سيعود البشر إلى رشدهم فيفكروا بالبشرية ككل، أم أن همَّ الأثرياء في العالم سيبقى زيادة ثرواتهم، وليحترق العالم بعيداً عنهم؟