اختلفت قصة كل واحد منهما خلف القضبان، ولكنهما في المعاناة والبطولة حتمًا متشابهان، كلاهما ورثا حب الوطن ودوّنا ذلك في سجلات البطولة والوفاء والتضحية لأجل فلسطين... حديثنا اليوم عن الأسيرين أحمد الشنا (27 عاما) وعبد الرحمن أبو لبدة (33 عاما) اللذين تهجم عضو كنيست الاحتلال "أرون حزان" على والدتيهما أثناء توجههما مع عدد من أهالي الأسرى الغزيين لزيارة أبنائهم، يوم الإثنين الماضي.
الغياب المفاجئ
في صبيحة اليوم الحادي والثلاثين من مايو/ أيار 2012، انتظرت عائلة أبو لبدة ابنها "أحمد"، لكنه تأخر، وانقطعت أخباره ليوم ويومين وثلاثة عن عائلته التي ما توقفت عن سؤال الجيران والأصدقاء عنه، ولكن دون جدوى.
"ابنك معتقل لدى الاحتلال وموجود في سجن عسقلان".. جاءت هذه العبارة من الصليب الأحمر بعد أيام من الانقطاع، فكانت صادمة للعائلة.
أول زيارة للابن الأسير كانت بعد شهرين من الاعتقال، تقول الأم لـ"فلسطين": "ذهبت بمفردي لأن الاحتلال منع زوجي لمدة عام من زيارة ابنه".
تستعيد ذلك المشهد وكأنها تعيشه الآن: "ما إن دخلت سجن عسقلان ورأيت أحمد حتى صرخت: (أحمد وين أنت يمااااا .. مين اللي جابك هان)".
"رحلة عذاب".. هذا هو العنوان الذي تطلقه الشنا على زيارات أهالي الأسرى لأبنائهم، وتفسّر هذا الوصف بالقول: "إهانات من الاحتلال، تفتيش لكل شيء حتى الأحذية، نحن نعاني في الزيارات؛ ولولا رغبتنا برؤية أولادنا فلا نريدها".
وللمعاناة في الزيارة سبب آخر تتحدث عنه الشنا: "كأنهم ناحتين الصخر وبانيين سجن صحراوي"، وتقصد بذلك بعد السجن وصعوبة الوصول إليه، إذ يستغرق الطريق إليه ساعتين من حاجز بيت حانون/ إيرز.
هل يخبرك بمعاملة الاحتلال له خلال الزيارة؟ ترد والدة الأسير: "لا يخبرني بشيء حتى أنني أستمد المعنوية من هذا الأسد رغم ما يعيشه".
"أنتم أولادكم فئران وحشرات".. ما إن سمعت والدة الأسير الشنا هذه الكلمات من عضو الكنيست الإسرائيلي "أرون حزان" الذي صعد لحافلة ذوي الأسرى المتوجهين لزيارة أبنائهم في سجن "رامون" حتى صرخت في وجهه "ابني بطل ورافعة راسي فيه.. أنت الحشرة".
"أنت ليش جاي هان؟" طرحت عليه هذا السؤال، فردّ بتعجرف: "بدنا نمنعكم من الزيارة طالما أولادنا (الجنود المفقودون) عندكم"، لم تصمت بل ردّت بالقول: "اضغطوا على رؤسائكم لإتمام صفقة تبادل.. نحن نأخذ أولادنا وأنتم العكس"، وبذات التعالي قال: "لا بصيرش هيك"، فأجابته "ما دام هيك بصيرش احنا صابرين زي ما طول عمرنا صابرين".
اقتحام المنزل
وبالانتقال إلى الأسير أبو لبدة، ففي مساء السابع والعشرين من تموز/ يوليو 2007م، عاشت منطقة المطار شرقي رفح أحداثا دراماتيكية، قوات من جيش الاحتلال اجتاحت المنطقة ومكثت فيها لأربع ساعات اعتقلت خلالها عددا من المواطنين وكان من بين المعتقلين عبد الرحمن أبو لبدة، كان يبلغ حينها 21 عاما، وقد تم اعتقاله من منزله.
لاحقا أعاد الاحتلال كافة المعتقلين ما عدا أبو لبدة، وفي بداية فترة أسره، صدر بحقه حكم بالسجن أحد عشر عامًا.
خمس سنوات مرّت دون أن يتمكن ذووه من زيارته، بسبب منع الاحتلال ذوي أسرى غزة من الزيارة في تلك الفترة.
في حديث مع "فلسطين"، عادت بنا والدته "أم عبد الرحمن" إلى أول زيارة، تقول: "لا أنسى ذلك اليوم، تمنيت لو كسرت الزجاج العازل واحتضنت عبد الرحمن".
وفي زيارتها الثالثة، أخبرها الجنود أنهم سيلتقطون صورة لها مع نجلها الأسير، فبقيت لمدة ساعة وحيدة في صالة ضيقة، بابها الحديدي مغلق، والنوافذ كذلك، حسب وصفها.
توضح: "شعرت بشيء يخنقني بدأت بإصدار الصوت حتى سمعني أهالي أسرى آخرون، وعندما وجاء ابني كنت قد فقدت الوعي، وبعد الإفاقة، كان مشهد اللقاء لا ينسى، وابني يقبل يدي وقدمي رغم ما حدث من الاحتلال".
لماذا زاد الاحتلال حكم عبد الرحمن لعام ونصف؟ تردّ مفتخرة بابنها: "جنود من جيش الاحتلال قبل عدة سنوات وجهوا له شتائم غير أخلاقية، بالسباب على الأم، لم يصمت وانفعل أمامهم، وعلى إثر ذلك رفعوا حكمه ليصبح اثني عشر عاما ونصف".
ذات الموقف يتكرر اليوم ولكن بشكل مختلف، إذ كان السباب لابنها هذه المرة، لكن الحديث كان موجها لها، ضمن تهجّم "حزان" على حافلة ذوي الأسرى.
وتقول بعد انتشار مقطع الفيديو لتهجم حزان عليها: "عندما صعد حزان للباص وادعى ومن معه أن الهدف من صعودهم هو إجراء مقابلة تلفزيونية، قلت لأهالي الأسرى إننا يجب ألّا نتحدث حتى تمضي الزيارة بسلام، وهذه المرة الثانية التي يوقفنا فيها حيث أوقفنا قبل سبعة أشهر، وكان معه أهالي الجنود المفقودين بغزة".