سؤال يؤرقنا، يلح علينا باستمرار، نشعر بأننا مقصرون، فننطلق بحثًا عن أعذار.. ماذا علينا أن نفعل لنصرة القدس؟ ونبدأ بسرد العقبات والموانع التي تحول دون أن ننصرها.. تقول فتاة: أتمنى لو أنني حجر بيد فتى فلسطيني يقف في ساحات الأقصى يقذف به جندي صهيوني، فيشج رأسه ويدميه، ويقول آخر: أتمنى لو كنت حديدًا بيد مقاوم من غزة يصنع مني صاروخ قسام ويطلقه على عمق الأراضي المحتلة فيزلزل كيان الصهاينة ويهدم المغتصبات فوق رؤوسهم. ويقول غيره: كم أتمنى لو يكون بإمكاني أن أعبر الحدود لفلسطين، فأنال سجدة في ساحات مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويتمرغ جبيني بحبها قبل ثراها، ثم أمضي فأُقاوم وأستشهد وأدفن على مقربة من أقصانا الحبيب. ويقول طيار عربي ليتني أقود معركة تحرير القدس وفلسطين، فأكون في مقدمة الجيش فأقاتل حتى أطهرها من الصهاينة ويروي دمي ثراها... ويا ليتني... وأتمنى... وكم أحلم بأن...
وندرك جميعًا العقبات والحواجز والحدود التي تقف دوننا وتمنعنا من تحقيق تلك الأمنيات.. نعلم علم اليقين أن قادة دولنا هم أول العقبات التي تمنعنا من التقدم خطوة نحو تحرير القدس، لأن القدس وفلسطين لم تعد بوصلتهم، ولا حتى في أدنى سلم أولويتهم، شغلونا بالجري وراء لقمة العيش وتوفير الاحتياجات الأساسية لأُسرنا، فانشغلنا في ظل تلك المشاغل التافهة غير المهمة عن قضايا أمتنا وهمومها. لم ننسَها، ولكن ضغوطًا أخرى جعلتها أقل إلحاحًا علينا.
ويخرج علينا ترامب بكل صفاقة ونذالة فيجعل من نفسه وكأن أمر القدس في يده، فيعلنها عاصمة لدولة لقيطة، دولة سرقت أرضًا وشردت أهلها لتجلس مكانهم، وتدَّعي هذه الأرض لها وبأنها توارثتها من أعماق التاريخ. نستيقظ من غفلتنا.. ها قد سحب البساط من تحت أقدامنا مرة أخرى ودون أن نعي كيف أو لماذا.. ونعود إلى السؤال الأول مرة أخرى وبإلحاح أكثر هذه المرة.. كيف لي أن أنصر القدس؟
أنا مثلكم، لا أؤمن إلا بالسلاح قوة قادرة على دحر الأعداء وتحرير الأرض، ولكن: هل نستطيع فعل ذلك؟ ولنكن واقعيين، لا نستطيع ذلك في ظل ضعفنا وتشتتنا وقلة حيلتنا وهواننا.. إذًا، هل نقعد ونستسلم لليأس يمضغ قلوبنا، ويعلك كل أمل لنا بحياة حرة كريمة عزيزة، تفيض كرامة وإباء؟
أبدًا، ليس الحال كذلك، ماذا نفعل إذًا؟
أنا أدون لأجل القدس، وأنشر مدوناتي لأجل التعريف بها وبقضيتها، وبحجم الظلم الذي يتعرض له أهلها، وأوضح وأُجلي الحقائق التاريخية حول القدس وأهلها، وأول من سكنها والحضارات التي تعاقبت عليها.. فهل أنا أفعل شيئًا للقدس قد يُسهم في الحفاظ عليها واستعادتها من الصهاينة؟
للقدس أغني ولقضيتها، وأثير العواطف بكلماتي وألحاني، وأحشد المشاعر ليوم التحرير، أفعل أحيانًا بكلمات أغنيتي ما لا يفعله السلاح، فلماذا تقولون إن ذلك لا قيمة له؟
أنشأت أسرة، وأنا الآن أربي أبنائي على القيم والأخلاق، وأغرس قضايا أمتهم وحب فلسطين والارتباط بالقدس في نفوسهم، أعدِّهم ليوم التحرير، ليكونوا القادة ويكونوا الجنود الذين يقدمون دماءهم فدية لها.. هذا ما أستطيع عمله، فهل أديت ما عليَّ؟
أنا أسيّر رحلات أسبوعية للرباط في المسجد الأقصى، أنظم رحلات أسبوعية شبه مجانية للرباط في المسجد الأقصى ولربط قلوب الناس بمسراهم، لا أستطيع مقاومة الصهاينة بالحجر والسكين والمولوتوف والسلاح كما يفعل الشباب، أحاول أن أقدم شيئًا للقدس من خلال هذه الرحلات، فهل حقًا أفعل؟
قمت بتشكيل جمعية خيرية، أجمع التبرعات من أهل الخير، أشتري بها ملابس جديدة بأسعار رخيصة وبمقاسات مختلفة، أبعث بها لأهل القدس، وأستهدف بها الأيتام والفقراء، فهل يكفي ما أقوم به؟
أنا أدرس التاريخ والآثار، وأعدُّ الآن رسالة الدكتوراة عن تاريخ مدينة القدس، هدفي الدفاع عن القدس وقضيتها، والتعريف بها في المحافل الدولية، وتبسيط قضية القدس للشعوب الأخرى في شتى بقاع الأرض، فهل أكون قد أديت ما عليَّ؟
ويقول... وتقول...
فهل ينصر هؤلاء القدس فعلًا؟
لا نستهين بأي جهد كان، مهما بلغ من الضآلة ما دام هدفه فلسطين والقدس، فتضافر تلك الجهود يقود للتحرير.
وهل لي أن أضرب مثلًا لحضراتكم؟ كانت جمعيات يهودية تطوف العالم وتتجه لليهود مطالبة كل فرد منهم بدفع دولار لإسرائيل.. ونتساءل ساخرين: وماذا سيفعل دولار لدولة؟ القضية ليست في دفع الدولار، بل القضية في ربط يهود العالم بهذه الدولة اللقيطة، وجعلهم يشعرون بأنهم يفعلون شيئًا لها ولجعلها قوية متينة ثابتة.. وبهذا فهم من يبنونها بدولارهم هذا.
انصر القدس بما تستطيع عمله.. اكتب لافتة ترفض فيها قرار ترامب، أنتج فيديو يوثق اعتداءات الصهاينة على أطفال فلسطين ويدحض ادعاءات الصهاينة، صور اعتداءات المستوطنين وطقوسهم التلمودية في المسجد الأقصى إن كنت من هواة إنتاج الفيديوهات، اكتب عن القدس إن كنت كاتبًا، غرد لها إن كنت مغردًا، احكِ لتلاميذك عنها وعن صلاح الدين إن كنت معلمًا، ارسمها، ارسم قبابها وجمالها وسحرها إن كنت رسامًا، خطط اسمها وخطط الآيات التي تحدثت عنها.. صمم مجسمًا لها.. تحدث عنها في كل مكان تجلس فيه، ذكِّر الناس بها وبقضيتها، اكتبها شعرًا ومقاومة.. ازرعها شجرة سمّها طفلة.. واجعلها قضيتك الخاصة.
فكل من موقعه يستطيع نصرة القدس بما لديه من إمكانات يسخرها لخدمة ما يؤمن به. فهل أنتم على استعداد لنصرة القدس؟