فلسطين أون لاين

​يملك مقهىً في سوق القطّانين المحاذية للمسجد الأقصى

رياض الحلاق التاجر العنيد في وجه "المخالفات الانتقامية"

...
القدس المحتلة / غزة - أسماء صرصور

مخالفة انتقامية قيمتها خمسة آلاف شيكل باغتته دفعة واحدة، لكنه رفض رفضًا قاطعًا منذ ثلاث سنوات أن يدفعها، وخاض، ولا يزال، جولات عديدة في المحاكم ثابتًا على موقفه: "هذه المخالفة غير القانونية لن تمر أبدًا".

المقدسي "رياض غازي الحلاق" (42 عامًا)، صاحب مقهى يمتد على مساحة أربع محال في سوق القطانين (السوق التي تبدأ من طريق الواد وتنتهي عند المسجد الأقصى المبارك عند باب القطانين)؛ يحكي اليوم لـ"فلسطين" عن صمود "تجار القدس" في وجه محاولات الاجتثاث والتهويد، والتفاصيل تتبع:

"ممنوع التدخين"

الحلاق الذي ورث المحل عن والده بعد وفاته في عام 2001م عقب اندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) بدأ يسرد قصة المخالفة المذكورة فيقول: "على رأس كل شهر عبري تخطرنا شرطة الاحتلال الإسرائيلي بأن اليوم التالي سيشهد أداء صلوات للمستوطنين في سوق القطانين، وتطالب التجار جميعهم بإغلاق محالهم".

في بعض المرات كان يضطر إلى أن يستسلم ويغلق المقهى كما يغلق غيره من التجار محالهم في سوق القطانين، التي يصل عدد المحال فيها إلى ما يزيد على خمسين، ولكنه ذات مرة قبل ثلاث سنوات أصرّ على إبقائه مفتوحًا، وكان هو بداخل المحل يصلي وابنه خارجه، وأراد الابن الصلاة عند باب المحل، في الوقت نفسه الذي كان المستوطنون يؤدون صلواتهم فيه، ما أثار حفيظتهم، وحرك حقدهم.

في اليوم التالي، ولم يكن هو في المحل بعد، سلم إلى ابنه مخالفة بقيمة خمسة آلاف شيكل، والحجة: "عدم وجود لافتة "ممنوع التدخين" في المقهى"، وعندما توجه إلى البلدية اعترض لعدم وجود إنذار سابق على وفق الأصول القانونية، يضيف: "ما زالت القضية حتى اللحظة في المحاكم".

يزيد الحلاق: "القانون بيني وبينهم، لست مستعدًّا أبدًا إلى التهاون ودفع قيمة المخالفة غير القانونية، وإن دفعت الكثير من الأموال في المحاكم حتى اللحظة بسببها"، المسألة من وجهة نظره صمود وتحد وثبات في وجه شرطة الاحتلال الإسرائيلي وبلديته.

ويتحدث الحلاق عن بدايات عمل المقهى قبل اثنين وأربعين عامًا، أي تقريبًا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين كان والده يعمل في "سكب" النحاس لدى شركة إسرائيلية، كحال الكثير من المقدسيين في بدايات عملهم، ولما كبر به العمر أراد أن ينشئ "مصلحة" خاصة به، فعمد إلى فتح ورشة لسكب النحاس، لكنها لم تكن مربحة، بسبب مضاربات الاحتلال ضده.

هذا دفع "غازي" الأب إلى إغلاق ورشة النحاس بعد ست سنوات، والتوجه إلى سوق القطانين وفتح محل صغير حوّله فيما بعد إلى مقهى، يلفت ابنه رياض إلى أنه في ذاك الوقت كان افتتاح مقهى لا يحتاج إلى الكثير من الإمكانات، ما سهل الأمر لوالده، ليساهم المقهى في تدبير مستلزمات العائلة.

تهجير المقدسيين

ويصف أكثر تلك الحقبة من تاريخ المقدسيين بوجه خاص والفلسطينيين بوجه عام بقوله: "في تلك الأيام كنّا نصدق أن الجيوش العربية ستأتي وتحررنا من الاحتلال الإسرائيلي، لذا لم يكن من الممكن وقتها التأقلم مع واقع وجود اليهود في المدينة، لم نكن نعرف أن وعينا يُكوَى، وأن العرب اتفقوا على بيع القضية الفلسطينية برمتها".

وبدأت صعوبة الحياة تشتد وتزداد محاولات تهويد المدينة المقدسة، واستيلاء الاحتلال الإسرائيلي على المنازل القديمة وطرد أصحابها منها بحجج واهية، وإغلاقها، حتى قبيل ثلاث سنوات فقط، حينما قررت بلدية الاحتلال إعادة ترميمها، وجعلها مخافر للشرطة أو محطات للبلدية أو لموظفي سلطة الآثار التابعة للاحتلال.

مقهى الحلاق لم يسلم من كيد المستوطنين والاحتلال منذ اليوم الأول لافتتاحه؛ فمع أن المقهى بل سوق القطانين كلها مملوكة لوزارة الأوقاف الإسلامية يشدد الاحتلال على أن المواطن يملك ما داخل المحل، وأن جداره من الخارج هو ملك لبلدية الاحتلال، حتى أية تصليحات أو أعمال توسعة لابد من موافقة سلطة الآثار مقابل مبالغ مالية تفوق تكلفة العمل المطلوب، وهي كلها وسائل وأساليب لاستنزاف أموال التاجر المقدسي.

يقول رياض: "كل إخوتي بدؤوا عملهم مع والدي في المقهى، إلى أن يصل الواحد منا إلى سن خمسة عشر عامًا فيسلم الراية إلى الأخ الذي يليه، ويخرج ليبحث لنفسه عن وظيفة مستقلة"، مشيرًا إلى أنه ترك هو نفسه العمل مع والده، وعمل في مهام كثيرة، كان آخرها العمل في مطبخ شركة حافلات إسرائيلية، إلى أن تركها ليعود إلى العمل مع والده بعدما لم يجد وظيفة غيرها.

ويبين أن استيراد الاحتلال العمالة الأجنبية ليعملوا لدى الشركات الإسرائيلية أحد الأسباب التي ضيّقت على الشباب المقدسيين؛ فالعامل الأجنبي مرتبه أقل بكثير من المقدسي، ما حدا بالكثير من المقدسيين إلى ترك العمل لدى الشركات الإسرائيلية، ومنهم "رياض" الذي عاد إلى العمل مع والده في المقهى.

مضايقات ضريبية

من المضايقات التي مورست على والده المضايقات الضريبية، ليكتشف في لحظة من اللحظات أن عليه دفع مبلغ يصل إلى مليون ونصف مليون شيكل، فلجأ إلى محاسب رتب أوراقه وحساباته ووصل إلى تسوية لتقسيط المبلغ، وفوّت على الاحتلال فرصة سجنه وإغلاق مقهاه وتشريد عائلته دون مصدر مالي لهم.

ويشير رياض إلى أن مضايقات الاحتلال ارتفعت وتيرتها بصورة لافتة جدًّا بعد انتفاضة الأقصى في عام 2000م، لتغدو علنية ومستفزة أكثر من الأول، في محاولات لهزم صمود المواطن المقدسي وتهجيره بإرادته من القدس عاصمة فلسطين.

ويشدد على أن التاجر المقدسي في هذه الأيام يعيش ضائقة مالية كبيرة، متوقعًا إقفال العديد من المحال مع بدء العام الجديد في سياق وضع للاقتصاد المقدسي يرثى له، دون وجود أي دعم من السلطة الفلسطينية أو الحكومة.

صمود الحلاق وفتحه مقهاه في أوقات الإغلاقات، ومحاربته الاحتلال ووقوفه في وجهه هي جزء من المسؤولية الملقاة على عاتقه، كونه يمثل ما يقارب خمسمائة تاجر مقدسي، يتحدث باسمهم عن معاناتهم ويعيشها جملةً وتفصيلًا.