فلسطين أون لاين

​دافعت عن فتيات عند باب العامود

رفقة القواسمي مقدسيةٌ أثارت الإعجاب بشجاعتها

...
القدس المحتلة / غزة -يحيى اليعقوبي

الخميس، السادسة مساءً: عدد من جنود الاحتلال وأفراد شرطته ينتشرون عند باب العمود، الذي تحول إلى ثكنة عسكرية، في حين المقدسيون يعتصمون على درجاته ضد القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، رفقة القواسمي (39 عامًا) من سكان منطقة "العيسوية" بالقدس كانت تسير بجانب المعتصمين برفقة نجلها آدم (12 عامًا) عائدةً من عيادة الأسنان، حاولت الجلوس بضعًا من الوقت مع نجلها في الاعتصام، فإذا شرطية إسرائيلية تهمّ بالاعتداء على طفلة مقدسية صغيرة.

القواسمي التي اعتادت المشاركة في الاعتصامات حاولت على الفور تهدئة الموقف، محدّثةً الطفلة: "ما بدنا نحتك فيها، بدنا نحاول نتلاشهم، هم معنيون بإحداث مشاكل حتى يجدوا ذريعة لإبعاد المعتصمين عن باب العمود".

لكن الشرطية أصرت على ضرب الطفلة؛ فحاولت القواسمي منعها: "ابعدي عنها، سيبك منها"، لتتحول الشرطية نحو القواسمي للاعتداء عليها، فأردتها الأخيرة أرضًا، كما ظهر في مقطع الفيديو، الذي حظي بانتشار وتفاعل كبيرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

فلتأتِ والدته

القصة لم تنتهِ بعد؛ فقوات الاحتلال لم تعتقل القواسمي التي يحيط بها جموع المعتصمين، فسحب بعض أفراد شرطة الاحتلال نجلها "آدم" لاعتقاله، ولذلك هدف سيتضح لاحقًا، لكن والدته حاولت منعهم، فردّ ضابط إسرائيلي: "بنعطيك إياه".

"لن أتحرك من المكان إلا بصحبة ابني" تواصل القواسمي الضغط على شرطة الاحتلال لإعادة ابنها، كون ما حدث مشادّة لا أكثر.

بحركة مفاجئة دفعت شرطيتان القواسمي إلى خارج باب العمود، وأخذ آخرون نجلها بسيارة إلى مركز توقيف بالبلدة القديمة، وعلى الفور توجّه والده إلى المركز وطلب الإفراج عنه، كان الرد: "بدنا أمه تيجي تاخده"، فقد كان هذا هو الهدف من اعتقاله.

رفضت شرطة الاحتلال كل محاولات الأب للإفراج عن نجله، إلى أن توجّهت والدته مساء الخميس إلى المركز، وهناك احتجزت، وأفرج عن طفلها شريطة أن يبقى رهن الحبس المنزلي مدة خمسة أيام.

في الطابق العلوي من مركز التوقيف كان المحققون ينقلون القواسمي من غرفة تحقيق إلى أخرى دون استجواب، استمر ذلك أكثر من ساعة، ثم بدأ التحقيق.

الضابط: "ليش نزلتي على باب العمود؟".

القواسمي بهدوء وثقة: "كنت متوجّهة إلى عيادة الأسنان، وأردت اشتراء ملابس من محال العروض بالبلدة القديمة".

شكك المحقق بكلامها: "لا، إنت نزلتي عشان الاعتصام"، لكنها أصرّت على قولها السابق، وما إن هم بطرح أسئلة أخرى حتى قال محقق آخر: "أغلق الملف، ستعاود إخبارنا أنها ذهبت إلى عيادة الأسنان"، انتهى التحقيق ونُقلت القواسمي إلى سجن الرملة الساعة الثانية والنصف فجرًا، على أن تُحاكم الجمعة، ثم أجلت جلسة المحاكمة إلى الإثنين، وأفرج عنها في الرابعة عصرًا من الثلاثاء الماضي، مع دفع كفالة بقيمة 1500 شيكل.

أيام عصيبة

"ستة أيام تعادل ست سنوات" هكذا تصف القواسمي في حديثها مع "فلسطين" ما عاشته داخل الأسر، هناك شعرت بالمعاناة والإرهاق والضغط النفسي، وبين حين وآخر كانت تسمع السجانين يتحدّثون عنها: "هذه التي ضربت المجندة".

سواد أكحل مع أن الصبح قد أشرق، الحشرات أسفل سرير السجن، خزان تعبئة المياه البلاستيكي أصبح مرتعًا للنمل والديدان، الطعام سيئ، الذهاب إلى دورة المياه تستغرق ثلاث ساعات الموافقة على هذا الطلب، عليها أن تشرب كأس مياه واحدة، ينقلها السجّانون من غرفتها في الرابعة فجرًا، وتعود بعد أربع ساعات، هكذا كان الحال طيلة ستة أيام في سجنٍ تدخله أول مرة، ما جعلها تفكّر بحال الأسرى الذين يقضون أعوامًا طويلة داخل سجون الاحتلال.

أُفرِج عنها يوم الثلاثاء، لكن الأمور لم تنته عند هذا الحد كما اعتقدت القواسمي.

الأربعاء يوم جديد في حياة العائلة، في العاشرة والنصف صباحًا مخابرات الاحتلال استدعت القواسمي مجددًا باتصال هاتفي، وهناك سمعت الأسئلة نفسها التي طُرحت عليها في أيام اعتقالها، ووجه إليها الضابط تهمة مباشرة: "أنت متهمة بضرب شرطية"، وهي الآن لا تعرف متى ستتوقف الاستدعاءات، لكنها بروح المقدسيين تفتخر بما فعلته.

في أيام الاعتقال كان التوتر والخوف يسيطران على أبناء القواسمي الأربعة، يخشون أن يُحكم عليها بالسجن، أو أن تظل رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة.

الأقصى حياة

"المسجد الأقصى حياتنا، لذلك ننشئ أولادنا على حبه وحمايته، لأننا دون الأقصى والقدس لا نساوي شيئًا"، بهذه الكلمات لخّصت ما يعنيه الأقصى لها، ولأجله تحرص على المشاركة في الاعتصامات، وتذهب باستمرار مع أسرتها إلى الأقصى، مع مضايقات الاحتلال.

سألتها: "هل توقعت انتشار الشريط المصور بهذه الصورة؟"، ردّت بعد أن رفعت نبرة صوتها: "لقد تفاجأت بحجم انتشاره والتفاعل معه، حتى إن المحققين عرضوه خلال التحقيقات".

"للمرأة المقدسية دورٌ كبير في الوقوف بوجه انتهاكات الاحتلال، لا تيأس أمام الاعتداءات القمعية، بات يحسب لها الاحتلال ألف حساب، إذ لم تعد الفتاة أو الطفلة أو الطالبة يخشين الاعتقال، فهن جميعهن يشاركن في الرباط والاعتصام المتواصل دفاعًا عن الأقصى وقضية القدس"، والقول للقواسمي.

تعود بنا إلى عام 1967م، فما حدث في ذلك الوقت لم يكن عاديًّا، إذ استشهد خمسة من إخوتها، وزوجة والدها، نتيجة قذيفة أطلقها الاحتلال على منزلهم الملاصق لباب حطة خلال عملية احتلال القدس، ونجت اثنتان من أخواتها، واحدة منها أصيبت في عينها وقدمها ولا تزال تعاني حتى اليوم من أثر الإصابة.

ومن وسط الآلام تزوج والدها وبدأ حياة من رحم حياة، فأنجب رفقة وسبعة أبناء آخرين، اعتقل الاحتلال أحد أشقائها عامًا ونصف عام حينما كانت طفلة، وتوفي والدها وهي في سن 14 سنة، لذا الاحتلال كان في نظرها _ولا يزال_ مجرمًا ارتكب مجزرة بحق عائلتها قبل أن تبصر الحياة.