فلسطين أون لاين

​في "بيت ستي".. طعامٌ من "الزمن الجميل"

...
غزة - نسمة حمتو

في الجهة الشمالية له، خريطة فلسطين بأحجار رخامية قديمة، مُزيّنة بألوان فضية لامعة، وعلى بعد خطوات قليلة باب أسود مُزين بالدبابيس القديمة بأشكال هندسية تجذب الزبائن، أما في مدخل المطعم مغسلة صغيرة يعلوها صنبور قديم، وكلاهما ذهبي اللون، وعلى يمينها لوح زجاجي ملون بالأحمر والأزرق والبرتقالي، تعلوه قطع أثاث خشبية تزين المكان، هذا الوصف لبيت أثري قديم في غزة حولّه صاحبه إلى مطعم بنكهة خاصة وأطلق عليه اسم "بيت ستي".

ليزوره الجميع

في وسط المطعم، حيث الأصالة والكراسي الخشبية القديمة، أول ما تقع عليه عينك "بيت المونة"، وهو على شكل بئر قديم تعلوه الأخشاب البنية ذات اللون القاتم، مربوط بها دلو خشبي، وفي الأسفل مساحة واسعة مُضاءة ببعض مصابيح الزينة.

على الجهة اليمنى من "أرض الديار"، توجد بركة مياه مزينة كان يستخدمها الناس قديما في تنظيف البيت، ويطلق عليها البعض اسم "البحرة"، وعلى جانبها مقاعد خشبية مزينة تعلوها أشجار امتدت أغصانها على الجدران، أما الطاولات فمصنوعة من النحاس ويتوسطها الزجاج الأبيض الشفاف.

قال صاحب المطعم "عاطف سلامة" عن فكرة تحويل المنزل إلى مطعم: "يعود هذا المطعم لعهد العثمانيين، وكان مأهولًا بالسكان، وقد كنت أعيش فيه مع عائلتي وحرصت أن يكون مظهره جميلًا جداً، ولكثرة إقبال الناس عليه كمعلم تاريخي، قررت تحويله إلى مطعم يأتي له الزوار من كل مكان".

وأضاف: "هذا البيت يحتوي على أطول خريطة لفلسطين في غزة، وهذا ما شجعني على إحياء التراث الفلسطيني من خلال تشجيع الناس على زيارة المكان".

عمل سلامة على الاستفادة من المساحة كاملة بطريقة تتلاءم مع قِدم المكان وأصالته، فاختار شراء النحاسيات والكراسي الخاصة، إضافة إلى مصابيح الكاز الموزعة على كل المكان.

وأوضح: "في الساعة الخامسة مساءً من كل يوم، نغلق الإنارة الكهربية، لنشعل مصابيح الكاز، فأضواؤها الخافتة تتناغم مع رائحة القهوة، مما يوفر أجواء مميزة في المكان".

على رواق

في "بيت ستي" كل قطعة موجودة في المكان تدل على التراث الفلسطيني، ففي الزاوية اليمنى من أرض الديار، توجد غرفة "الصومعة"، وهي قاعة أثرية كان يطلق عليها العثمانيون قديماً اسم (الليوان) وتحتوي على مقاعد خشبية عريضة وُضعت عليها قطع من القماش المنقوش بخيوط التطريز، وعلى الطاولات وُضعت مفارش مصنوعة من "الخيش" المزركش بخيوط ملونة.

وبجانب "الصومعة" توجد مكتبة خاصة تحتوي على عشرات الكتب القديمة، وتمت تهيئتها ليمكن للزوار قراءة كتاب مع تناول فنجان من القهوة "على رواق".

وقال سلامة: "تعمدنا اختيار البساطة في مظهر المطعم ومكّوناته، ففناجين القهوة مصنوعة من الفخار، والأواني كذلك تتلاءم مع المكان".

في المطعم يوجد مكان خاصة "للمزيرة" وهي عبارة عن إناء كبير من الفخار توضع فيه المياه كي تحتفظ ببرودتها يعلوها "قلة" صغيرة مزركشة من الأعلى، وفي وسط "المزيرة" نبتة صغيرة تضفى الجمال على المكان.

في "بيت ستي" كل شيء مختلف، حتى القهوة تُصنع على الرمال، وعن إعدادها يقول أحد العاملين في المطعم مؤمن السعودي: "نضع أنبوبة غاز، يعلوها لوح من الصاج فيه القليل من الرمل الأصفر مع بعض قشور الجوز التي تعطي رائحة جذابة عند صناعة القهوة، ثم نحرك الرمل حتى يصبح ساخنا جدا، ونصنع القهوة فوقه".

وعن المأكولات المقدمة في المطعم، قال سلامة: "أكلاتنا تراثية مميزة، مثل المسخن الفلسطيني الأصيل والمصنوع من زيت الزيتون البلدي، والصفيحة السورية، مع لبن العيران"، مضيفا: "في صناعة المأكولات حاولنا الدمج بين التراث الفلسطيني والسوري ليكون الزبون راضيًا جداً عن أداء المكان".

في الطابق الثاني من المطعم، غرفة صغيرة اسهما "النصية"، وهي معدة خصيصاً لاستقبال النساء، ليتبادلن فيها الأحاديث، وبعدها يمكن الانتقال للغرف العليا والتي تحتوي على بعض التماثيل القديمة.

وأوضح سلامة: "حرصنا على وجود عصافير الزينة في المكان، فهي عندما تغرد، يكون صوتها مكمّلا للأجواء القديمة، مما يعطي طابعًا جميلًا وراحة للنفس".

في "بيت ستي" يوجد مكان خاص لصور الأدباء والشعراء والمفكرين القدامى، مثل سميح القاسم وفدوى طوقان ومعين بسيسو، ولا يخلو المكان من مشهد فرن الطينة الصغير يزين الغرف الداخلية للمطعم إضافة إلى التماثيل القديمة التي حُفرت في الجدران، فهي تعطي شعورًا بقيمة المكان التاريخي.