فلسطين أون لاين

​القرارات ضدها تزيد التمسك بها

في القدس.. علاقةٌ طردية بين المعاناة والصمود

...
القدس المحتلة / غزة - مريم الشوبكي

"الضربة التي لا تقتلك، تقوّيك" كما يقال في المثل الشعبي، فالضربات الخطيرة التي تتلقاها المدينة المقدسة، عادت عليها بالنفع في بعض الجوانب، ومن ذلك أنها جعلت بعض المقدسيين يعيدون حساباتهم، فالتزموا بالصلاة في المسجد الأقصى، وبالمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات، حتى أن منهم من تغيّر على الصعيد الشخصي فأقلع عن بعض الذنوب، وهذا ما يتجدد في هذه الآونة بعد قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".

كيف يمكن للقرارات الإسرائيلية والأمريكية التي تنتهك قدسية وإسلامية زهرة المدائن، أن تصبّ في صالحها في إعادة تشكيل عادات بعض سكانها نحو الأفضل، وكيف لها أن تزيد من تمسكهم في مدينتهم في ظل تكبيلهم بالضرائب الباهظة والملاحقات الأمنية التي لا تنتهي.

الأقصى يوحدهم

"فلسطين" حاورت الصحفي المقدسي عبد العفو زغير، الذي عايش الكثير من القصص والتجارب لمقدسيين غيّرت الأحداث والهجمات ضد المدينة المقدّسة حياتهم نحو الأفضل.

يقول زغير لـ"فلسطين": "قضية القدس حساسة للغاية، وتمسّ كل فلسطيني ومسلم باختلاف معتقده أو تنظيمه أو فكره، ورغم وجود قضايا كثيرة تشتتنا، إلا أن قضية المسجد الأقصى توحد جميع أطياف الشعب، وتجدهم موجودين في كل هبة لنصرته حينما يحتاجهم، وهذا من منطلق شعور كل مقدسي بمسئوليته تجاهه".

ويضيف: "المجتمع المقدسي يمكن أن يكون أصابه بعض الوهن نتيجة سياسة التجهيل والتهويد، وتغيير المناهج الدراسية ومحاولة دمج المقدسيين في المجتمع الإسرائيلي، ولكن الأحداث المتلاحقة أعادت الوعي للأطفال والشباب والشابات"، متابعا: "المقدسيون الذين ألهتم الحياة عن المسجد الأقصى، صاروا توجهات وطنية ودينية أكثر بعد الأحداث التي هددته".

ويتحدث زغير عن شباب تعرف عليهم في أحداث البوابات الإلكترونية في الفترة الماضية، فمثلا التقى بشباب حرصوا على الاعتصام اليومي أمام بوابات الأقصى رغم أنهم لم يكونوا يؤدون الصلاة من قبل، والبعض مقصر تجاه دينه، أو لم يزر الأقصى منذ سنوات طويلة.

ويبين أنه رأى فيهم الحمية والغضب والرفض لاقتحام المستوطنين للأقصى، أو إحكام السيطرة الاسرائيلية عليه، حينما شعروا بأن مسرى الرسول، صلى الله عليه وسلم، في خطر لذا عزموا على تقديم شيء لنصرته.

بعد انتصار المقدسيين في معركة البوابات الإلكترونية، زادت أعداد المصلين في الأقصى، لأنهم شعروا أنهم قد يفقدونه، حتى الإعلام العبري تحدث عن هذه الزيادة الملحوظة، وعن أن ما فعلته حكومتهم قابله المقدسيون برد عكسي أدى إلى فشلها في إحكام سيطرتها على المسجد، وفقا لحديث زغيّر.

ويوضح "في العادة، كان أصحاب التوجه الإسلامي هم من يتواجدون بشكل دائم في الأقصى، ويكونون في الصفوف الأولى للدفاع عنه، ولكن الأحداث المتسارعة شكّلت وعيا لدى مختلف المقدسيين، وهذا ما رآه العالم أجمع منهم على أبواب المسجد الأقصى".

ويشير زغير إلى أن المميز في التظاهرات الحالية للمقدسيين بعد قرار "ترمب" أمام باب العامود، أن المشاركين فيها مختلفون في انتمائهم الديني والتنظيمي.

ويقول: إن "تركيبة المجتمع المقدسي فيها شيء مميز، بخلاف المدن الفلسطينية الأخرى، فالمقدسيون مهما اختلفت أفكارهم وآراؤهم، إلا أنهم في الشارع ينسون ذلك، ويوحدهم الأقصى بعيدا عن أي توجه، فالقضية هي التي تطغى دون النظر للأحزاب، وهذا هو جوهر نجاح الاعتصامات والاحتجاجات".

القرار الأمريكي لم يزِد تمسك أهلها فقط بها، وإنما امتد تأثيره ليصل إلى الشعوب العربية والإسلامية أيضا، بحسب زغيّر، الذي يرى أن "المشكلات الداخلية التي تعيشها البلاد العربية جعلت قضية القدس هامشية، ولكن قرار الرئيس الأمريكي أثار عاصفة من الغضب في صفوف العرب والمسلمين".