فلسطين أون لاين

​بـ"مقلوبة الجكر" تتحدى المقدسيات القرار الأمريكي

...
القدس المحتلة / غزة - يحيى اليعقوبي

الصنف "مقلوبة"، المكونات: صمود، وثبات، وتحدٍّ، الهدف: قلب القرارات الإسرائيلية والأمريكية أمام أعين جنود الاحتلال، إذ لم تعد المقلوبة مجرد أكلة شعبية، بل أصبحت مصطلحًا يُتداول في محاكم الاحتلال ويحقق مع المقدسيات بشأنه، وهي وسيلة لتأكيد صمود المرأة الفلسطينية وإغاظة الاحتلال، خاصة أن لها رمزية كبيرة، فهي طبخة قديمة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، وكانت أكلة النصر الذي حققه بتحرير بيت المقدس عام 1187م، وحينها كانت تُسمى "الباذنجانية".

على درجات باب العمود يتجمع المقدسيون حول أطباق "المقلوبة"، وما إن تُقلب على آنية الطهي حتى تعلو صيحاتهم مرددين: "الله أكبر"، لذلك أصبحت تُوصف بأنها "مقلوبة الجكر"، وصارت أحد أسلحة المرابطات المبعدات عن المسجد الأقصى في تحدي الاحتلال بتضامنهن مع المعتصمين بباب العمود بهذه الطريقة، واليوم تُستخدم المقلوبة مجددًا ضمن فعاليات الاعتراض على القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال.

دور المرأة المقدسية

"من المعروف أن "المقلوبة" أكلة شعبية فلسطينية مشهودٌ لها بتميّزها، لها قيمتها أكلة شعبية لدى الفلسطينيين، وتزداد قيمتها في القدس عندما نمرّ بوقت عصيب وحالة من القهر، بفعل ممارسات الاحتلال وضغوطاته على المقدسيين" بهذا بدأت المقدسية زينة عمرو حديثها لـ"فلسطين".

وقالت: "يتصدى المقدسيون لإجراءات الاحتلال بصدورهم العارية وصبرهم وثباتهم مقابل أدوات الاحتلال القمعية، ومن هنا بدأت الأفكار المقدسية تتولد تباعًا من أجل إحداث حالة من الغيظ للاحتلال، فكانت أكلة المقلوبة وسيلة لذلك، تطهوها النساء من أجل مساندة الموجودين في الاعتصامات لتعزيز الوجود المقدسي".

وتابعت: "ولما كانت أكلة النصر في عهد صلاح الدين الأيوبي كان للاحتلال رد فعل عليها، وأصبحت رمزًا لدى المقدسيين خاصة بعد هبة 14 تموز (يوليو) الماضي عند باب الأسباط، فباتت المقلوبة تهمة يوجهها الاحتلال إلى المرابطات، وجزءًا من مقاومة المقدسيين للاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يترك أية وسيلة إلا واستخدمها للتنكيل بأهل القدس، خاصة أنه يجد تكافلًا كبيرًا بين المعتصمين".

"فيها شيء من "الجكر" والغيظ للاحتلال، للتعبير عن التمسك بالأرض، ولها رسائل متعددة" وما زال الكلام لعمرو، التي واصلت: "مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي إننا متمسكون بالأرض وأكلاتنا الشعبية، فنحن نعدّ الطعام ويساند بعضنا بعضًا، فكل جزء بالقدس لنا، والأرض أرضنا، نجلس فيها ونأكل ونتعاهد على الرباط عليها، وفي إعداد المقلوبة رسائل قوية للاحتلال بأننا نقاوم بكل السبل".

وبينت أنها تُظهر المرأة المقدسية من جانب آخر كباقي نساء فلسطين على مدار سنوات احتلال فلسطين أنها أساس المقاومة بالتصدي والثبات، وهي التي تقدم الشهداء والدماء، مهما حاول الاحتلال انتزاعها من جذورها باعتقال زوجها وأبنائها، وهي التي تعدّ الرجال.

وبهذا تدرك المرأة المقدسية أن دورها ليس المنزل فقط، وإنما لها مسؤوليات أكبر من ذلك، بحسب ما ذكرت الناشطة المقدسية، منها الدفاع عن الأقصى، فمثلًا: تردد التكبيرات في وجه جنود الاحتلال، وتتحمل المسؤوليات بالمشاركة في الميدان وفي الاعتصامات للمطالبة بحقوقها، وقد طوّرت أساليبها الدفاعية، واتّبعت طرقًا جديدة كي تثبت أنها قادرة على تعزيز صمودها، ومن ذلك تقديم الطعام للمقدسيين لتشجيعهم على مواصلة ثباتهم.

البداية

بدأت فكرة تناول "المقلوبة" في الأقصى ومحيطه قبل عامين، حينما أبعدت قوات الاحتلال المرابطة المقدسية هنادي حلواني عن المسجد الأقصى، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك.

وعن ذلك قالت حلواني لـ"فلسطين": "دعوت المرابطات المبعدات وأقاربي، وصنعت المقلوبة، وأخذتها إلى باب السلسلة، لكي أقلبها أمام جنود الاحتلال وأقلب بها قراراته أمام أعينهم".

بنبرة واثقة أضافت: "أشعر بشموخ وعزة حينما أقلبها أمام جنود الاحتلال، وقد كررنا الفكرة أكثر من مرة، واليوم نعيد إحياءها لنقلب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال".

وهكذا أصبح المقدسيون يعدون "المقلوبة" رمزًا لهم، خاصة بعد هبتهم في 14 تموز (يوليو) الماضي، إذ خصصوا يوم الأحد من كل أسبوع لتناول المقلوبة في الأقصى، فتعدها كل أسرة بالمنزل لتناولها في رحاب المسجد، في مشهد يظهر حجم الترابط الاجتماعي.

في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي اعتقل الاحتلال حلواني مدة 13 يومًا، وفي بداية الاعتقال استدعى أحد الضباط حلواني، وقال لها: "فش أكل منيح بالسجن، مش زي بيتكم"، فكان ردّها: "تقلقش؛ اليوم طبخت مقلوبة للأسيرات"، صمت الضابط وعلامات الغضب بدت واضحة على ملامحه.

ولدى الحلواني لا تتكون "المقلوبة" من البهار والأرز والدجاج بل من الصمود والثبات والتحدي، إذ قالت: "لم تعد المقلوبة مجرد أكلة شعبية، بل أصبحت مصطلحًا يحقق معنا بشأنه، ونسمعه في جلسات المحكمة".