تمتاز القدس بأهمية خاصة في قلوب المسلمين، فهي القبلة الأولى التي كانوا يصلّون باتجاهها، ثم أمر الله تعالى بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرَّفةِ، كما أن فيها ثالث المساجد قداسة بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وللصلاة في المسجد الأقصى الموجود فيها أجرٌ مضاعفٌ يفوق أجر الصلاة في أي مسجدٍ آخر عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى. " كما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلّم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا بعد أن صلى جماعةً بالرسل والأنبياء في حادثة الإسراء والمعراج، قال تعالى في سورة الإسراء " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". لذلك فإن ارتباط المسلمين بالقدس ليس أمراً متعلِّقاً بأمورٍ عابرة، وإنما هو تعلّقٌ عقائدي يُستمد من الدين والرسالة السماوية.
تعتبر القدس من الظواهر المنفردة بين مدن العالم، حيث إنّ المسلمين والمسيحيين واليهود يقدِّسونها؛ لأن لكلٍّ منهم أسباب دينيّة تدعوهم إلى ذلك، وهذا ما جعلها منطقة النزاع باستمرار، فالكل يحاول السيطرة عليها وضمها إلى بلاده. لقد تعرّضت القدس إلى الهدم والإعمار مراتٍ كثيرةٍ وصلت إلى 18 مرة، ويعود التاريخ الأول للقدس إلى إيليا بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، حيث يعتبر اسم إيليا أحد الأسماء التي أطلقت عليها، وقيل أن أول من بناها هو "مليك صادق" أحد ملوك اليبوسيين الكنعانيين العرب سنة 3000 قبل الميلاد، وأطلق عليها اسم يبوس، وقد أطلق على المليك صادق بملك السلام فقد كان تقياً ومحباً للسلام.
يحيط بالقدس سورٌ منيع من جميع الجهات يصل ارتفاعه 40 قدماً، وله سبعة أبوابٍ للدخول إلى المدينة: باب الخليل، وباب الجديد، وباب العامود، وباب الساهرة، وباب المغاربة، وباب الأسباط، وباب النبي داوود عليه السلام.
احتلت بريطانيا القدس في ديسمبر 1917م وبدأت بالعمل على تهويدها وضمنتها ضمن مشاريع التقسيم التي اقترحتها في 1937م و1947م إلى أن سلمت الجزء الغربي منها للصهاينة سنة 1948م ثم أكمل الصهاينة احتلال بقيتها سنة 1967م لتعلن أنها عاصمة ما يسمى بإسرائيل.
وما حصل من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ما هو إلا ترسيخ وتثبيت للمحتل الصهيوني في القدس بعد مرور قرن على احتلالها وصدور وعد بلفور المشئوم، فالدور الأمريكي المساند للكيان هو دور مكمل للدور البريطاني المؤيد والداعم للوجود الصهيوني في المنطقة لتحقيق أهداف دينية واستعمارية واقتصادية.
وهذا الإعلان والاعتراف الأمريكي لا يساوي الحبر الذي وقع به، فالقدس ستبقى عربية إسلامية بتوقيع من الله، وبشهادة التاريخ، وهذا الأمر الواقع سيزول مهما طال الزمن وتقدمت السنون. والمطلوب منا على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي هو الوقوف صفًا واحدًا ضد هذه المؤامرة التي طال أمدها، وشد الرحال إلى القدس وفتح الحدود ورفع اليد عن المقاومين والمجاهدين في كل مكان وإعلان النفير العام والجهاد بكل أنواعه والخروج بمسيرات ومظاهرات ومهاجمة كل الأهداف المساندة والداعمة للكيان الغاصب، ووقف التطبيع ومقاطعة المنتجات الصهيونية والبريطانية والأمريكية ووقف تصدير النفط ومقاطعة الدولار الأمريكي.
فالدول العربية والإسلامية إن كانت تخشى المواجهة العسكرية فسبل المواجهة والحرب ضد الغطرسة الأمريكية كثيرة ومتعددة تحتاج إلى العزيمة والصمود والتوكل على الله الذي وكلنا للدفاع عن مقدساته والجهاد ضد أعدائه.