فلسطين أون لاين

​يعكف على توثيق المطبخ الفلسطيني

أسامة سلوادي.. "عينٌ" ساهرة على بوابة "التراث"

...
أسامة سلوادي (أرشيف)
رام الله / غزة - ياسمين النعيزي

في داخله وطن كبير يمتد من القلب ليصل إلى القلب, هو لا يعترف فيه بحدود ولا بكيانات دخيلة, ولا حتى أسماء مزيفة, يؤمن أن الوطن ليس مجرد تضاريس وتراب, بل هو الإخلاص والتشبث بالحقوق والحرية والأصل والموروث.

المصور الفلسطيني "أسامة سلوادي", من مواليد رام الله عام 1973, والملقب بـ"عين فلسطين", والمشهور بـ "توثيق تراث فلسطين بصريًا", فهو اختار فكرة "العودة إلى الجذور" كنوع من أنواع النضال من أجل الحق في الأرض، ليتحدث عن فلسطين، ويوثق حقّ أبنائها بها من خلال رصد أصولها وعاداتها وتقاليدها بعدسته.

"فلسطين" تعرّفت أكثر على سلوادي وعمله التوثيقي خلال حوار هاتفي معه..

أثرٌ لا يزول

يقول سلوادي: "قبل أن أمتهن التصوير, وفي سن السادسة عشرة من عمري, وجدت في نفسي ميلًا له, بسبب تعلقي بالطبيعة والحياة الريفية التي كنت أعيشها, فأُغرمت بتصوير النباتات والورود في ذلك الوقت".

ويضيف في حديثه لـ"فلسطين": "وبالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية, انطلقت لرصد المواجهات مع الاحتلال كمصورٍ هاوٍ, وكنت أواجه الكثير من الأخطار".

أما بداية حياته المهنية، فقد كانت في عام 1991, حين بدأ العمل مع وكالة الصحافة الفرنسية, ليتنقل بعدها بين عدة وكالات، قبل تأسيس وكالته الخاصة "أبولو"، وهي، كما يعرّفها، أول وكالة تصوير فلسطينية وعربية، تُدار بأيادٍ عربية، شملت التصوير والتحرير والتوزيع.

كان السابع من تشرين أول/ أكتوبر من عام 2006 تاريخًا فارقًا في حياة سلوادي, ففيه اخترقت جسده رصاصة طائشة خلال تغطيته لمسيرة في مسقط رأسه رام الله, أصيب على إثرها بشلل نصفي.

وعن ذلك اليوم يقول: "طرأ في ذلك اليوم تحول كبير على حياتي, فقد دخلت في غيبوبة, وحين استيقظت منها خضعت للتأهيل الصحي لعدة شهور, ثم بعد ذلك حوّلت عملي في الصحافة إلى عمل أعتمد فيه على قدراتي العقلية أكثر من الجسدية".

توثيق التراث

قبل سنوات بدأ سلوادي في مشروع توثيق التراث، وعنه يتحدّث: "تراثنا هويتنا, وقد لاحظت أن الاحتلال يسرق ما يحلو له من تراثنا المتنوع كالملابس والمأكولات والحجارة, فأصدرت مجموعة كتب توثق الحياة اليومية الفلسطينية بالصور".

ويوضح عن أهمية التوثيق بالصور: "الصورة تمثل العصب الأساسي للإعلام الحديث، ولعل أهم ما يتميز به إعلام اليوم تحوله إلى إعلام مصور مرئي، حتى الصحافة الورقية لم تعد قادرة أن تنافس أو أن تعطي تأثيرًا دون صورة، لذلك اعتني بالتصوير والمصورين".

أصدر ضيفنا عدّة كتب، وهي "المرأة الفلسطينية عطاء وإبداع" والذي يحاول فيه بناء كيان خاص للمرأة الفلسطينية لتقف فيه أمام من يحاول تهميشها، وكتابه "ها نحن" الصادر عام 2005، وفيه يعكس حياة الفلسطينيين ما بين تعب وترف وراحة, و"القدس" والذي يحاول توضيح العلاقة القوية التي لطالما جمعت بين مسلمي القدس ومسيحيها، وكتاب "ملكات الحرير" الذي يأتي استكمالًا لكتابه الأول الذي يخص المرأة الفلسطينية، حيث يحتوى على مجموعة كبيرة من الصور لنساء فلسطينيات بثيابهن التقليدية وهن يبدون كالملكات، وكتاب "بوح الحجارة" الذي وثق التراث المعماري للحضارات التي عاشت في فلسطين, بالإضافة إلى "أرض الورد"، وفيه جمع الكثير من الزهور التي تنتشر في أنحاء فلسطين, وكذلك "فلسطين كيف الحال"، و"الحصار"، و"زينة الكنعانيات", و"الختيار".

وحاليا يعكف على إصدار كتاب يختص بالمأكولات الفلسطينية.

المطبخ الفلسطيني

يعمل سلوادي في الوقت الحالي على مشروع "توثيق المأكولات الفلسطينية", وعن أهمية هذا المشروع، يقول: "المطبخ جزء مهم لأجل الحفاظ على المورث وإرجاع الحقوق لأصحابها".

ويطرح سلوادي تساؤلًا: "لو لم يكن المطبخ مهمًّا, فما الذي يدفع (إسرائيل) لتحاول باستماتة نسب أكلة (الفلافل) الشعبية لها, بل وتقوم بتنظيم يوم عالمي لها، والكثير من النشاطات الدولية لإثبات هذا النسب؟".

ويشير إلى أن ثمة أكلات فلسطينية كثيرة اختفت, أو على وشك الاختفاء وسيحاول إنعاشها في مشروعه القادم، ولاسيما الأكلات البسيطة، مثل خبز الطابون الذي نتغنّى به دومًا، فهذا تحديدًا يكاد يكون انقرض، إذ ما بقي من الطوابين التقليديّة في فلسطين قليل جدًّا، وهي شبه معدومة في البيوت اليوم.

يقول سلوادي: "حين أصدرت كتابي الأول (ملكات الحرير), تفاجأت بالنجاح الباهر, الذي أسهم في تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى الجيل الجديد, وقد كان المجتمع قبل كتابي أقل إهتمامًا بهذا المجال".

هذا النجاح، وفقا لحديثه، وسع مخيلته للبحث عن أمور أكثر بخصوص توثيق التراث, فكانت أفكار مشاريعه المختلفة، والتي لم تقل أثرًا عن سابقها, وصولًا إلى ما يسعى إليه الآن بخصوص توثيق الطعام, والذي يأمل من خلاله أن يزيد الوعي بأهمية المطبخ الفلسطيني وترسيخ الهوية وارتباطها في الأرض.

نُشرت صور سلوادي في كبريات الصحف والمجلات العالمية، خلال فترة عمله مثل مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" و مجلة "تايم" و"نيوزويك تايمز" وصحيفة "هيرالد تريبيون".

وأقام العديد من المعارض في والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وحصل على العديد من الميداليات، منها: الميدالية الذهبية للاستحقاق والتميز، وتم منحه لقب "عين فلسطين".