فلسطين أون لاين

​فرارًا من البطالة

شبان ما أطالوا الوقوف على "ناصية الحلم" وصنعوا "الفرصة"

...
غزة - هدى الدلو

يعيش الشباب في ظروف شديدة السواد بهذا البلد المُطَبق حصاره، الذي تشير منحنياته إلى صعود منحنى البطالة، وكذلك أعداد الخريجين، دون القدرة على إيجاد فرص عمل، تلك المؤشرات دفعت الشباب الملتحقين بؤسًا بصفوف البطالة إلى دقّ "جرس الإنذار"، ليتجهوا بتفكيرهم إلى خارج الصندوق، ليغيروا من فكرة ضرورة الحصول على وظيفة حكومية أو خاصة، بعد سنوات متتالية من الدراسة الجامعية.

صارت الفكرة الماثلة أمام عيون الشباب اللجوء نحو مشاريع خاصة توفر لهم دخلًا بسيطًا، بدلًا من برامج تشغيل البطالة التي في الغالب لا يحالفهم حظ الالتحاق بها، في هذا التقرير تقدم "فلسطين" عددًا من النماذج الشابة التي نجحت في تجاوز "شبح البطالة".

الانتصار على الذات

لم يشأ أيمن عاشور خريج هندسة مدنية من الجامعة الإسلامية أن يشبه مصيره مصير مَن سبقوه من الخريجين، الذين لم تسعفهم "الشهادة الكرتونية" بالحصول على وظيفة، فجلسوا في بيوتهم ينتظرون إعلان فرص عمل ومشاريع بطالة، لذا قرر أن يلوذ بنفسه، ولحسن حظه أن "مشروع التخرج" الذي ناقشه عام 2014م كان هو نفسه الذي اختار الإبحار فيه وتطويره.

وقال: "كانت فكرتي عن إعادة تدوير النفايات البلاستيكية على شكل "حجر بناء" يوضع في السقف، يكون بديلًا عن الحجر الأسمنتي، إذ يمتاز عنه بأنه أخف بنسبة ٩٠%، فوزنه يبلغ ١.٥ كيلو جرام، أما الحجر العادي فيزن ١٧-٢٠ كيلو جرام، إضافة إلى أنه يوفر (١٠-١٥)% من التكلفة الإنشائية التي أقمتُ عليها مشروع أيسر".

وهكذا نجح عاشور في أن ينقل الفكرة إلى أرض الواقع، وكان السبب في تفكيره بهذا الاتجاه قلة فرص العمل في المجتمع الفلسطيني، أضاف: "أردتُ أن أصنع فرصتي بنفسي وأحقق حلمي، فبدأت بتنفيذ مشروعي أواخر عام ٢٠١٥م".

وبحسب تجربته إن ثمة خطوات يتعين اتخاذها قبل الإقبال على تنفيذ أي مشروع، فمن وجهة نظره يجب أن يؤمن الشخص أولًا بنفسه وقدراته، إضافة إلى الدراسة المعمقة لفكرة المشروع والتمكن من كل جوانبها، تابع: "أول المعيقات التي تواجه أي شخصٍ يحاول النجاح هو حالة الإحباط واليأس التي تنطلق من الركن المظلم في أعماقه، وأيضًا من المجتمع المحيط، لذلك أرى أن على كل إنسان أن يتغلب على نفسه أولًا، وألا يدع تثبيط المجتمع من حوله يتغلب عليه، وأن يتحلى بالصبر والإصرار".

وأكمل حديثه في هذه النقطة المهمة: "لا أنكر أن الظروف المحيطة تلقي بظلالها السلبية على أي مشروع، ولكن يجب على صاحب المشروع أن يتخطاها بإصراره على النجاح".

وقدم عاشور نصيحته لأي شخص يحاول النجاح بأن يؤمن بقدراته، وأن يسعى ويجتهد ويصر على تحقيق حلمه، ولكل شخص أراد النجاح قال: "انهض وقف على ناصية حلمك، وقاتل لتحقق ذاتك".

بعيدًا عن وظائف شحيحة

أما رغدة السوسي، وهي مهندسة معمارية وحاصلة على درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية، لديها بصمة إبداعية في مجال الديكور والتصميم الداخلي؛ فبعد تخرجها وتخرج شقيقها في الهندسة المدنية لم يجدا فرص عملٍ في تخصصهما الدراسي، فما كان منهما إلا التفكير بعمل مشروع (Mini Space) للتصميم الداخلي بمشاركة إخوتها، لتبدأه في مطلع عام ٢٠١٢م.

وتقوم فكرة مشروعها على التصميم الداخلي والديكور، وتصميم الأثاث، توضح طبيعة العمل بقولها: "يعتمد عملنا على رؤية إبداعية في دراسة المتطلبات الوظيفية والجمالية للفراغ المراد تصميمه بما يتناسب مع مساحته والوظائف المستخدمة فيه، بحيث نقوم باختيار المواد والخامات المستخدمة في التشطيب وتصميم الأثاث للمكان، وتستهدف الشركة تحديدًا استغلال المساحات الضيقة بتصميم أثاث له أكثر من وظيفة".

وقد اختارت السوسي فكرة مشروعها تتناسب مع تخصصها الجامعي، إذ درست الهندسة المعمارية، والديكور والتصميم الداخلي جزء لا يتجزأ منها.

وقالت: "سبب توجهي نحو المشاريع الخاصة مع وجود مخاطرة في عدم التحقق من نسبة نجاحها هو إيماني بوجوب استغلال قدراتنا بعيدًا عن انتظار الوظائف الشحيحة، إضافة إلى أنه عندما يكون الشخص "مدير نفسه" يشعر بالمسئولية وبقيمة ما يعمل".

وأكدت السوسي أهمية وجود فكرة ريادية متميزة لنجاح المشروع، وضرورة اعتماد الشخص على ذاته وأفكاره في إيجاد مصدر رزق له، ولم يكن طريقهم "معبدًا بالورود"، بل واجهتهم العديد من العقبات، تمثلت في افتقاد المواد الخام اللازمة لتصنيع أثاثٍ متعدد الاستخدام، لكن تخطوها بإيجاد حلول محلية بديلة.

وأشارت إلى أن تميز الفكرة من أبرز عوامل نجاح المشروع، لاسيما أنها استهدفت أصحاب الشقق الصغيرة، مؤكدةً أن ما يجب أن يتحلى به صاحب أي مشروع أن يكون رياديًّا وصبورًا، فيعمل على تسويق فكرته باحتراف.

الإيمان بالفكرة

وبالانتقال إلى الشاب محمود الزير الذي أنهى دراسته الجامعية في تخصص "هندسة أنظمة الحاسوب" عام 2012م يقول لــ"مراسلة فلسطين": "قلة الوظائف بوجه عام وفي مجال البرمجة على وجه الخصوص دفعتني بصحبة مجموعة من الشباب إلى تأسيس وكالة "بصمة" الرقمية بعد ثلاث سنواتٍ من انتظار الحصول على وظيفة، لأعمل فيها مصمم جرافيك".

وعلى وفق إفادة الزير تقوم فكرة المشروع على تقديم كل الخدمات المتعلقة بالتسويق الرقمي، والإعلام الاجتماعي للشركات والأفراد في أنحاء العالم كافة.

ويضيف: "تخصصي الجامعي يركز على لغات البرمجة وتحليل أنظمة المعلومات، أما هنا فالأمر مختلف تمامًا، ما أدخلني في مجالٍ آخر يتمثل في تطوير مهاراتي بعدة مجالات، كتصميم الجرافيك، و"الموشن جرافيك"، والمونتاج، والتسويق".

ونظرًا إلى الأوضاع القائمة في قطاع غزة لابد من إيجاد فكرة للمشروع والاقتناع بها، ودراسة الجدوى الاقتصادية له، وتحديد التكاليف الخاصة به، علاوة على تفحص أهدافه، واختيار فريق عمل ذي كفاءة عالية للقيام بالتنفيذ، قابل للتضحية والعمل المتواصل لإنجاح المشروع دون كلل أو ملل، بتلك النقاط يلخص الزير أبرز ما يجب أن ينتبه إليه الشباب العازمون على خوض غمار المشاريع.

ويتابع: "واجهتنا عدة عقبات، وبذلنا قصارى جهدنا في حلها، كانقطاع الكهرباء، إذ عملنا على تركيب وحدات خلايا شمسية لتوفير الكهرباء على مدار الساعة، ولكن التحدي الأكبر يكمن في الاستمرارية مع عملائنا والحصول على عملاءٍ جدد، وتقديم الأفضل، كي نمتاز عن منافسينا".

ويلفت إلى أن من عوامل نجاح مشروعه زيادة قيمة العائد على المصروفات في المشروع، وتنفيذ المشروع حسب الخطة التي وضعت، ورضا العملاء عن الخدمات المقدمة لهم، مضيفًا: "ذلك كله لم يكن ليتحقق دون العمل الجاد، والرغبة بالنجاح مع كل الصعوبات، والاستعداد للمخاطرة المحسوبة لاغتنام أفضل الفرص، والتعلم من الأخطاء لتنجبها في المستقبل، والخروج بأفكار جديدة مبتكرة لتطوير المشروع".

غياب التمويل

أما حسن رضوان فهو خريج بكالوريوس تكنولوجيا تعليم، ومؤسس موقع (iclipar) المختص بإنتاج فيديوهات "موشن جرافيك أونلاين"، بعد خبرة اكتسبها عبر سنواتٍ طويلة في مونتاج الفيديو والجرافيك، والهندسة الصوتية.

كغالبية الشباب الغزيين توجه نحو المشاريع الخاصة لقلة فرص الحصول على وظيفة، فعكف على تنفيذ مشروعه الأول "سبيد جرافيك" لإنتاج فيديوهات "الموشن جرافيك" وتسويقها عبر الموقع الإلكتروني، لكن العديد من المشاكل واجهته، على رأسها عدم الخبرة الكافية بسوق العمل، وعدم وجود فريق عمل تقني لإكمال المشروع، إلى جانب غياب التمويل، خاصة بعد مرحلة الاحتضان للاستمرار بالعمل، ما دفعه إلى إغلاق المشروع بسبب فشله.

لم ييأس رضوان بل عكف على تنفيذ مشاريع أخرى، وتخطي العقبات التي واجهته في مشروعه الأول، فأسس موقع (iclipar.com) المختص بإنتاج فيديوهات موشن جرافيك بشكل آلي خلال دقائق، دون الحاجة لأي خبرة من المستخدم.

مساحة أكبر من الإبداع، والاستقلالية في العمل، وتوفير مصدر دخل خاص، تلك تعد أهم المزايا التي وفرها له العمل الخاص من وجهة نظره، ويشدد على أهمية مسألة الإيمان بالفكرة والتحلي بروح المخاطرة والتحدي، في وجه العقبات التي قد تجثم على صدر المشروع.

ويدعو رضوان الحاضنات والمؤسسات المحلية والحكومية للعمل على توفير فرص استثمارية للمشاريع، والعمل على تشجيع المستثمرين المحليين على تمويل ودعم المشاريع الريادية والتكنولوجية، دون أن يغفل دور المؤسسات الحكومية في الإعفاءات الضريبية والتسهيلات.