فلسطين أون لاين

​العقيدة الإسلامية مفتاح تغيير واقع الشباب

...
غزة - أسماء صرصور

أخوان شقيقان أحدهما طبيب بارع والآخر مدمن وسارق، ووالدهما كان مدمنًا وسارقًا وقاطع طرق، عندما سئل الطبيب كيف اتجهت للطب وبنيت نفسك في ظل بيئة والدك، أجاب: "البيئة التي تربيت فيها هي التي جعلتني أعزف عن العيش المستقبلي في هكذا حال، ودفعتني لصناعة نفسي ودراسة الطب والنجاح"، في المقابل سئل الأخ المدمن عن تدهور حياته وإدمانه، فعلق بقوله: "هي هذه البيئة التي عشت فيها مذ كنت طفلا، فكيف لا أكبر وأنا هكذا؟".

من المثال السابق يتضح أن الإرادة عاملٌ مهم في صناعة التغيير، فالبيئة الواحدة التي نشأ فيها الأخوان، كانت مرة دافعًا للنجاح، وفي مرة أخرى كانت دافعًا للهاوية، وفي كلتا المرتين لم تكن البيئة هي السبب الرئيس، بل كان الشخص ذاته، وتفاعله مع الواقع المحيط هو المحرك لتكوين شخصيته، وإحداث تأثير له في المجتمع من عدمه.

"فلسطين" تناقش الأسباب والدوافع التي تقف خلف تشتت فئة الشباب، وتفرقهم وتفقدهم القدرة على اتخاذ موقف موحد، أو الاجتماع على قيادة تمثلهم، والحلول المقترحة التي يمكن أن تشكل مرتكزًا لاستنهاض همتهم وعدم استسلامهم للواقع.

محاولة لصنع بصمة

الشاب كامل الهيقي تخرج من جامعته في تخصص العلاقات العامة، وتشتت جهوده بين المؤسسات كعمل تطوعي دون الحصول على فرصة عمل ثابتة تحقق له دخلاً واستقرارًا، ما أدى إلى تدهور حالته النفسية وإصابته بالاكتئاب.

ويقول الهيقي لـ"فلسطين": "لم أستسلم للاكتئاب وقتًا طويلاً، ووجهت نفسي إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة لأعمل وأكد وأكسب من عرق جبيني"، فالهيقي عمل لمدة عامين متواصلين في أنفاق مدينة رفح التجارية حتى استطاع تكوين نفسه ماديًا وإنشاء مشاريع استثمارية والعمل في المجال الخيري.

وأسس حملة تطوعية بعنوان "فكر بغيرك" هدفها توزيع المساعدات الخيرية على المحتاجين في جميع محافظات قطاع غزة، كمبادرة منه في محاولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتقديم يد العون للمحتاجين وإيمانًا منه بأن الصدقة تداوي صحة الإنسان، وترفع البلاء عن المؤمن.

ويشدد على أنه رفض الخنوع للإحباط والاستسلام للواقع المحيط، وأصرّ أن تكون له بصمة في الحياة، فعمد إلى الحصول على دورات تأهيلية في مجالات متعددة ليصنع خبرته لتؤهله للقيام بعمله التطوعي على أكمل وجه.

ويلفت إلى أنه تعرض لانتقادات كثيرة في أثناء محاولته صنع بصمته، لكنه أنصت جيدًا لهذه الانتقادات وأخذ الإيجابي منها ليصحح مساره، ولم يلتفت لمن حاول فقط هدم معنوياته وإحباط محاولته للنجاح.

وينوه إلى أنه يسعى الآن لإطلاق ائتلاف شبابي يجمع كل الفرق الشبابية في محافظات قطاع غزة في محاولة منه لتوحيد كلمتهم، دون أن يسيطر لون حزبي على هذا الائتلاف أو شعار معين.

من ناحيته، يشير منسق برنامج الشباب في جمعية الوداد عبد الفتاح شحادة إلى أن مراوحة الشباب الفلسطيني مكانهم منذ فترة طويلة وحالة السكون وعدم وضوح الرؤية وفقدان الثقة هي من الأسباب الرئيسة التي ساهمت في تشتت الشباب الفلسطيني على مدار العقود السابقة.

ويقول شحادة لـ "فلسطين": "أثبتت القيادة السياسية والمجتمعية للشعب الفلسطيني أنها تعاني من إشكاليات في إرساء الوحدة وتلمّس مشاكل المواطن وهمومه، وعانت من إشكاليات كبيرة على مستوى مشروع التحرر وتفاصيل الحياة اليومية للمواطن وللشاب الفلسطيني".

ويرجع ذلك لتبعية القيادة الفلسطينية، وإفرازات عملية السلام مع الاحتلال التي مكنته من تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني أكثر وخفّضت من كلفة الاحتلال.

ويفسر شحادة قوله: "أصبح المحتل يدمر بينما تقوم الدول المانحة بالبناء مقابل تنازلات سياسية مؤلمة تؤدي دوماً إلى خنق حلم الشباب الفلسطيني بالتحرر"، خاتمًا بالقول: "أرى أنه من الصعب لوم الشباب بشكل كبير، فهم ضحايا لكل هذه المتناقضات".

التغيير يأتي تدريجيًا

بدوره، قال أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي: إن الناظر لحال الشباب الفلسطيني بشكل عام والمجتمع الغزي بشكل خاص يرى تشتته في وطنه، مرجعًا ذلك إلى أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية يتعرض لها الشباب.

وتابع السوسي في حديثه لـ "فلسطين": "الأسباب السياسية المتعلقة بما يدور في المحيط المحلي والعربي والعالمي، وما يلحقها من أسباب اقتصادية واجتماعية أدت إلى تشتت الشباب وشعورهم بالضياع".

وفيما يتعلق بالحالة السياسية، يلفت إلى أن حالة الاحتلال الإسرائيلي التي عاشها الشباب منذ أوائل أعمارهم حاولت جاهدة محو عامل الاستقرار من ذهن الشباب بأن يكون له الحق في العيش في وطن حر مستقل ومستقر له سيادته وحدوده الخاصة وجغرافيته المعروفة، من خلال الحروب المتكررة والاغتيالات وإقامة المستوطنات والفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويبين أن حالة الانقسام السياسي التي مرّ بها الشباب الغزي طوال أحد عشر عامًا أثرت بشكل سلبي على الحالة النفسية للشباب، الذي يرى أنه مقيّد في بقعة صغيرة ومسجون بها، وإضافة للفوارق الكبيرة في الأحلام والرؤى التي سادت بينه وبين نظيره الضِّفّي بسبب قطع الاتصال بين الطرفين.

أما عن الحالة الاقتصادية، فيقول السوسي: "لا يخفى على أحد أثر الحصار المفروض على غزة منذ أحد عشر عامًا، وما سببه من ضياع لأحلام الناس من شيوخ وشباب وأطفال، وحرم عشرات الآلاف من الخريجين من اكتساب لقمة عيشهم وتحقيق أحلامهم".

ويلفت إلى أن المال هو عصب الحياة وجزء لا يتجزأ من بناء المستقبل لكنه مفقود بسبب الحصار، فكيف لمن جيوبه فارغة من المال أن يحقق ما يريد أو أن ينشئ مشروعًا ويتزوج أو يبني بيتًا، مضيفًا: "في أبسط الأحوال نقول إن الشباب وصل إلى طريق مسدود غير قادر على تجاوزه".

وينتقل للحديث عن الأوضاع الاجتماعية التي تأثرت هي الأخرى سلبًا نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن المجتمع أصبح مقسمًا حسب الأطر التنظيمية للفصائل ما أدى لكثرة العقائد عوضًا على أن تكون له عقيدة واحدة وتوجه واحد متفق عليه، وبدوره انعكس على الشباب ليشعر بالتيه ولا يعرف من هو صاحب الرؤية الأحق باتباعه.

ويشدد السوسي على أن الأسباب السابقة زاد تأثيرها في ظل غياب سلطة أو دولة أو جهة مسؤولة تعمل على توحيد فكر الشباب وتوحيد رؤيتهم وفق استراتيجية واضحة ومدروسة، متابعًا: "ليست هناك خطة موضوعة للرقي بالشباب والنهوض به في كافة المستويات العقلية والثقافية والاقتصادية وكل النواحي التي يهتم بها الشباب".

ويقول: "الإحصاءات الأخيرة لتعداد المجتمع الغزي تشير إلى أنه مجتمع شاب كون أكثر من نصف تعداده من فئة الشباب"، موضحًا أنه في حال القول أن الشباب مشتت يعني أن المجتمع الغزي بشكل عام مشتت ولا أثر له على المستوى المحلي والعربي والدولي ولا يساهم في صنع الحضارة، ولا يدافع عن نفسه.

التمسك بالعقيدة الإسلامية

إذًا هل هناك مخرج للشباب من هذه الحالة؟، يقول: "المخرج قد يكون أكبر من الإمكانات الموجودة اليوم، فلا أحد يملك عصا سحرية يستطيع من خلالها قلب الموازين"، منوهًا إلى أن التغيير لا يمكن أن يحدث بنسبة 180 درجة بشكل سريع لكنه يكون تدريجيًا.

وينبه إلى ضرورة الانتباه إلى أمرين في التغيير هما الشباب أنفسهم والدولة، مبينًا أنه من المفترض على الدولة أن تبادر هي بالتغيير ودفع الشباب للمساهمة فيه، وهو غير موجود حاليًا على أرض الواقع.

على هذا الحال يشدد السوسي على أهمية العودة إلى العقيدة الإسلامية كونها تزوّد بمجموعة من الحلول للتخلص من الشتات، وفي مقدمة هذه الحلول –وفق قوله– أن الأصل في العقيدة الإسلامية أنها تعطينا مجموعة من المبادئ الأساسية التي ننطلق منها كمسلمين لتحسين وضعنا السياسي.

ويتابع: "لا يمكن لمسلم أن يسلم أمره لأحد ولا يجوز له أن يتبع سياسة لا تنسجم مع شريعة الإسلام ولا تتوافق معه"، داعيًا الشباب لرفض كل السياسات التي تملى عليهم من الخارج إن كانت لا تتوافق مع الإسلام، وعدم الارتماء في أحضان الدول الأخرى مصداقًا لقوله تعالى: "أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا".

وأما الحل في الجانب الاقتصادي فهو يكمن -كما يقول- بالاعتقاد والإيمان الكامل بأن الرزق بيد الله وحده هو يرزق من يشاء بغير حساب، والعمل بكل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد أن الله هو من ينقص رزق المسلم ويتحكم به لا غيره، مشيرًا إلى أننا في الوضع الحالي نركن لما يقدمه لنا أعداؤنا من مأكل ومشرب ونستورد من موانئهم بسبب الاتفاقيات السياسية والاقتصادية.

ويدعو السوسي الشباب للأخذ بالأسباب والبحث عن الرزق، مبينًا أن التفكير في البحث عن عمل يناسب إمكانات الشخص ومؤهلاته، والتوكل على الله في الرزق، وعزم الإنسان على العمل، والاستغفار، وصلة الرحم كلها تصب في خانة الأخذ بالأسباب.

وينوه إلى أن الاحتلال صنع منّا أمة ركنت إلى استجداء لقمة العيش والاعتماد على المعونات والمساعدات الغذائية وهو سبب من أسباب القحط الذي نعيش فيه.

ويختم بقوله: "في الوضع الاجتماعي فقد قرر لنا الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي وهو أمر يشهده قطاع غزة في ظل انقطاع رواتب موظفين أو تقليصها، وساهم في تنشيط الوضع الاقتصادي بقدر المستطاع"، مستدركًا: "لكننا مطالبون بالتأكيد والتعزيز لزيادة التكافل الاجتماعي بشكل أكبر لإخراج الشباب من حالة الركون إلى الغير ومحاولة سد احتياجاتهم وبناء شخصية مستقلة لهم".