فلسطين أون لاين

​في الذكرى التاسعة عشرة لافتتاحه

مطار غزة الدولي.. حلم الفلسطينيين المفقود!

...
مطار غزة المهدوم (الأناضول)
رفح - ربيع أبو نقيرة

باتت ساحات مطار غزة الدولي والذي عرف باسم "مطار عرفات الدولي" مكبًا للنفايات وطريقًا رملية للعربات المجرورة ومرعى للأغنام، بعد توقفه عن العمل وتدمير آلات الحرب الإسرائيلية صالاته ومدرجاته خلال انتفاضة الأقصى.

وأصبحت الطريق المؤدية إلى المطار خطيرة وموحشة، سيما أن ركامه يقع بالقرب من مواقع عسكرية إسرائيلية، عرف عنها إطلاقها للنار عند الاشتباه بأي تحركات في المنطقة المحيطة.

المساحات الوعرة بين أبنية المطار التي نالت منها صواريخ الطائرات الحربية والقذائف المدفعية والجرافات المصفحة الإسرائيلية، باتت مكسوة بالنباتات الشوكية والحشائش الصغيرة بعد تساقط الأمطار قبل أيام.

كان يمثل المطار الذي افتتحه الرئيس الراحل ياسر عرفات في 24 نوفمبر عام 1998م، جنوب شرق محافظة رفح جنوب قطاع غزة، رمزا وطنيا وحلم الدولة الذي أصبح مفقودا.

واستغرق بناؤه نحو ثلاث سنوات بعد مجيء السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بمواصفات عالمية، على أيدي مهندسين عبر شركة المقاولين العرب التي جلبتها شركة محلية، بتكلفة بلغت ما بين 60 إلى 70 مليون دولار أمريكي، وفق مدير المعدات الأرضية في مطار غزة، عمر شاهين.

وأوضح شاهين لصحيفة "فلسطين" أن العمل بالمطار توقف مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، عندما ألحقت به قوات الاحتلال الإسرائيلي دمارا فادحا، فيما كانت آخر طائرة تقلع منه طائرة الرئيس عرفات والتي لم تتمكن من العودة إليه مرة أخرى.

وجاء إغلاق المطار بقرار إسرائيلي عقابا لسكان قطاع غزة، بعد تسارع أحداث انتفاضة الأقصى (2000 إلى 2005م)، ليفقد الفلسطينيون ممرهم الوحيد مع العالم ويسقط حلمهم نحو الدولة والسيادة المنشودتيْن.

ويفتقد المواطنون الفلسطينيون حاجتهم الماسة للمطار بعد أن ذاقوا ذلا وعانوا الأمرين عند محاولاتهم السفر إلى الخارج للعلاج أو طلب العلم أو غير ذلك من الحاجات الإنسانية، سواء عبر معبر رفح البري المغلق بشكل دائم سوى فتحه استثنائيا لأيام قليلة، أو معبر بيت حانون "إيرز" الذي يسيطر عليه الاحتلال.

وبدأ العمل بالمطار بتسيير رحلة يوميا، إلى أن وصل معدل الرحلات يوميا أربع رحلات، إلى جانب 16 رحلة كل سبت، يقول شاهين، موضحا أن الدول التي كانت تقلع إليها الطائرات، مصر والأردن والسعودية والإمارات وتركيا، فضلًا عن رحلات خاصة إلى العراق.

وأشار إلى أن طائرات أجنبية هبطت فيه وطائرات مغربية ورومانية وغيرها، قائلا: "المطار حمل مواصفات دولية وكان مرخصا من منظمة المطارات العالمية، فيما كان يعمل به كادر مؤهل مكون من 800 موظف، ما بين مهندسين وطيارين وإداريين وموظفي أمن وخدمات مسافرين".

ولفت إلى أن دوام الموظفين توقف بشكل كامل عام 2006 عندما شن الاحتلال الإسرائيلي اجتياحا للمنطقة الشرقية برفح ومن ضمنها المطار الذي أصبح موقعا عسكريا إسرائيليا، في أعقاب أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

وذكر شاهين خلال جولة تفقدية بين أطلال المطار المدمر في الذكرى التاسعة عشر لافتتاح المطار، أنه كان يعني السيادة الفلسطينية وراحة الإنسان الفلسطيني وشخصيته، معربا عن أمله بتوجيه الجهود نحو إعادة إعماره.

بدوره، أوضح القائم بأعمال رئيس سلطة الطيران المدني، زهير زملط، أن إنشاء المطار كان حلم الراحل ياسر عرفات، الذي أوعز بإنشاء سلطة الطيران المدني مطلع عام 1994 والخطوط الجوية الفلسطينية مطلع عام 1995، وتحديد مكان المطار والبدء بإنشائه في ذات العام.

ولفت في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن المطار المقام على 2800 دونم، ضم 19 مبنى مصممة وفق العمارة الإسلامية، جميعها أصبحت أثرا بعد عين، أهمها مبنى الإدارة، وصالتا الوصول والمغادرة وقاعة كبار الزوار ومدرج الطائرات، ومهبط، وبرج للمراقبة، ومقر للهيئة العربية للبترول، وبه طائرتان ملك للمطار، ومعدات خاصة.

وأوضح زملط أن فترة بداية عمل المطار شهدت حركةً دؤوبة للمسافرين، وسجل تنقل نحو 20 ألف مسافر عام 1998، وحوالي 61 ألف عام 1999، وقرابة 59 ألف عام 2000، مبينًا أن المطار كان قادرًا على نقل 700 ألف مسافر سنويًا.

وقال: "لا يوجد مقارنة بين تلك الأيام التي كنا نملك فيها مطارا وبين هذه الأيام التي يعاني فيها السكان الويلات خلال السفر"، مضيفا: "سابقا كانت الرحلة تستغرق للحاج أو المعتمر من مطار غزة الدولي إلى مطار جدة نحو ساعتين، بينما تستغرق الرحلة اليوم نحو 72 ساعة مليئة بالمعاناة والألم والانتظار والتفتيش على الحواجز".

يذكر أنه بعد تدمير المطار تقدمت وفود الدول العربية بشكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) وأُحيل الموضوع إلى مجلس المنظمة، وقامت الوفود العربية في المجلس (السعودية، مصر، الجزائر، ولبنان) بطرح القضية وفق نصوص المعاهدات والقانون الدولي.

وبعد مداولات مطولة، استخدم الوفد الأمريكي كل الوسائل للحيلولة دون إدانة (إسرائيل)، من قبل المجلس؛ لكن المجلس تحت إصرار الوفود العربية لجأ إلي التصويت، وكانت النتيجة إدانة (إسرائيل) التي دمرت مطارا مدنيا، وأجهزة ملاحية، يستخدم للأغراض المدنية فقط.

وكلف رئيس المجلس والأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة تنفيذ القرار، لكن دون أن يتم تنفيذ شيء على أرض الواقع، ليظل إغلاق المطار مستمرًا، وظلّت حجارته شاهدة على حُلم فلسطيني لم يكتمل.