فلسطين أون لاين

في ذكرى انطلاقة حركة حـماس الـ38

إن هذه الحركة من أعظم الحركات الفلسطينية التي واجهت الاحتلال الإسرائيلي؛ فقد كان الإعلان عن انطلاقتها في مثل هذا اليوم، 14/12/1987، إيذانًا ببداية مرحلة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني، حيث تزامنت مع انطلاقة انتفاضة الحجارة، أول هبّة فلسطينية ممتدة عرفها شعبنا، والتي سُمّيت بـانتفاضة المساجد أو ثورة المساجد.

وفيها برز دور المسجد، وشباب المسجد، وأبناء الحركة، الذين كتبوا في ذلك الوقت على الجدران:

مساجدنا قلاع في الجبال… وحماس لها أسود في القتال.

وسُمّيت كذلك لأن رأس مال هذه الانتفاضة كان من شباب المساجد وأبناء الحركة، ومعهم أبناء الفصائل الفلسطينية الأخرى.

وتبلورت هذه المرحلة لاحقًا لتشهد ثورة السكاكين، حيث قادت الحركة عشرات، بل مئات العمليات، التي خرج فيها أبناؤها لتنفيذ الفعل الميداني بأجسادهم وبالأدوات البيضاء، واستطاعوا بثّ الرعب والهلع في صفوف المستوطنين.

ثم جاءت بعد ذلك ثورة البندقية، التي قادها الشهيد عماد عقل ورفاقه، لتشكّل النواة الأولى لـكتائب الشهيد عز الدين القسام التي تأسست عام 1990.

وتلتها مرحلة العمليات الفدائية في باصات العدو وثكناته العسكرية، بتفجيرات هزّت العالم أجمع، والتي أسسها الشهيد المهندس يحيى عياش، ليصبح بعدها أسطورة فلسطينية وعربية وعالمية، وما زالت صورته، بنظراته الوادعة، تدخل كل بيت.

ثم جاءت مرحلة السلطة الفلسطينية من عام 1994 إلى 2000، حيث واجهت الحركة اتفاق أوسلو ورفضته جملةً وتفصيلًا، ومع ذلك منحت الكثير من المساحات الوطنية بالتنسيق مع الرمز ياسر عرفات، الذي اشتبك معها في البداية، ثم نسّق معها وحاورها، وأدرك أن هذا الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، كما قال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.

لتندلع بعدها انتفاضة الأقصى بالتنسيق بين عرفات والحركة، والتي بدأت بالعقدة العشرية التي قادتها كتائب القسام بعمليات هزّت القيادة الصهيونية، واستمرت الانتفاضة بزخمها حتى عام 2005.

وخلال هذه المرحلة قدّمت الحركة قادتها ورجالها بالآلاف وبالمئات، وكان من أبرز من استشهد:

الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وجمال سليم، وجمال منصور، وصلاح شحادة، وإسماعيل أبو شنب، وإبراهيم المقادمة، والمئات من قادة الحركة، بالإضافة إلى آلاف أعضائها وكوادرها.

ثم بعد ذلك جرى الاتفاق مع حركة فتح في القاهرة عام 2005 على ترتيب البيت الفلسطيني وإجراء الانتخابات، على أن لا تشارك الحركة في انتخابات الرئاسة إفساحًا للمجال للرئيس أبو مازن، ومشاركتها في الانتخابات التشريعية والمجلس الوطني، حيث اكتسحت الحركة الانتخابات فوزًا ساحقًا في المجلس التشريعي.

لاحقًا، تم تعطيل انتخابات المجلس الوطني المتفق عليها في اتفاق القاهرة، خوفًا وخشيةً من تمدد الحركة، ثم فُرض على غزة حصار كبير بعد سيطرة الحركة عام 2007.

وخاضت الحركة مع الفصائل الفلسطينية مواجهة عسكرية مفتوحة في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021.

وفي تلك الحقبة، رفضت الحركة كل الإغراءات والعروض التي قُدّمت لها من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول إقليمية ودولية، للتخلي عن البندقية والاعتراف بـإسرائيل مقابل المليارات، ودولة في غزة، واعتراف واستقبال في عواصم العالم. وقد رفضت قيادة الحركة ذلك، متمسكةً بأن شعبنا الفلسطيني يجب أن يقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

إلى أن جاء الوعد الكبير، وجاءت عملية طوفان الأقصى، التي غيّرت المعادلات، وأدخلت الكيان الصهيوني في معركة وجودية، وما زلنا نعيش تداعيات هذه المعركة حتى اليوم.

هذه هي الحركة،

وهذا تاريخها،

وهذه عظمتها.

ومن يراهن أن الحركة تموت، نذكّره بالشعار الذي كُتب على الجدران في بداية انطلاقتها:

حماس لن تموت، وإذا ماتت لا تُدفن، وإذا دُفنت فستنبت شجرة الإسلام العظيم.

اليوم، الحركة في كل بيت فلسطيني، وفي كل بيت عربي، وفي كل بيت إنساني يؤمن بشعبنا وحريته.

اليوم، الحركة على امتداد العالم؛

لأنها صدقت،

ولأنها روَت،

ولأنها أعطت،

ولأنها قدّمت التضحيات.

فنقول، وأقول، في هذا اليوم:

كل عام وأنتم بخير،

وإن شاء الله يكون العام القادم عام عزّ واقتدار ونصر،

مع شعبنا الفلسطيني العظيم الأبي.