لم تصمد المنازل المتصدعة بفعل القصف الإسرائيلي أمام المنخفض الجوي الذي كشف هشاشة أعمدتها وأسقفها، بخلاف ما كان يعتقده ساكنوها بأنها ستكون جزءًا من "ملاذهم الأخير" من البرد والتشرّد والمطر. لكن المنخفض حوّل هذا الملاذ إلى قبور جماعية، بعد انهيار تلك المنازل بشكل مفاجئ بفعل الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة.
وتفاقمت المأساة في غزة خلال المنخفض الجوي الثالث الذي يضرب القطاع، فلم تقف عند غرق الخيام وطفح مياه الصرف الصحي وتحول الشوارع إلى مستنقعات، بل امتدت بانهيار عدد كبير من المنازل والجدران فوق رؤوس ساكنيها، ليعيش الغزيون واحدًا من أكثر الأيام قسوة، وكأنها حلقة جديدة من تداعيات الإبادة.
وبفعل المنخفض انهار 13 منزلًا، كان بعضها مأهولًا بالسكان، ما أدى إلى استشهاد 11 مواطنًا وإصابة 6 آخرين، فيما تمكنت طواقم الدفاع المدني من إجلاء 52 شخصًا إلى أماكن آمنة.
فجر أمس، انهار جدار متصدع على خيمة ملاصقة بمحيط ملعب فلسطين بمدينة غزة، كان بداخلها الشقيقان خضر حنونة (23 عامًا) وخليل (17 عامًا).
أدوات بدائية.. ووقت نفد سريعًا
واجهت العائلة صعوبة كبيرة في انتشالهما، واضطرت لاستخدام أدوات بدائية لكسر الجدار وإحداث فتحة صغيرة. وبعد نحو ربع ساعة من الطرق، تمكنوا من إخراج أحدهما، لكنه كان قد فارق الحياة. وانتظروا وصول طواقم الدفاع المدني لانتشال الثاني الذي توفي أيضًا.
داخل مخيم الإيواء، يمتد الجدار الإسمنتي الذي سقط فوق الخيمة على الأرض، وتعمّ المكان حالة صمت ثقيل بعد مغادرة العائلة لدفن شهيدي المنخفض. وفي المنتصف تظهر الفتحة التي أحدثتها طواقم الإنقاذ لإخراج الشقيقين بعدما دُفنت خيمتهما بالكامل، وتحول ملاذهما الأخير من البرد إلى قبر.
“استيقظنا على صوت يشبه الانفجار”
تراقب عبير حنونة، زوجة شقيق الضحيتين، المشهد وهي غير مصدّقة ما حدث. تقول إن العائلة لجأت إلى هذا المخيم قبل شهر بعد نزوح من خان يونس، ثم اكتشفوا أن منزلهم قد دُمّر بالكامل، فأقاموا عدة خيام كانت إحداها ملاصقة للجدار.
لم يخفِ الجيران أنهم لاحظوا ميلان الجدار، لكن لم يعرف أحد إن كان سينهار ومتى.
وتروي: "استيقظنا على صوت قوي يشبه الانفجار، أعاد لذاكرتنا أصوات الإبادة. اعتقدنا أنه صوت رعد، لكننا وجدنا خيمتهما مدفونة بالكامل. صرخ الجميع طلبًا للنجدة، وبدأنا نكسر الجدار بـ«شاكوش» صغير. أخرجنا أحدهما وكان وجهه مزرقًا ومختنقًا. الثاني كان محاصرًا تحت عمود باطون."
وتكمل بصوت يختنق ألمًا: "نجَوا من القصف والنزوح، لكنهم لم ينجوا من خيمة لم تحمهم، ولا من جدار متهالك أسقطه المطر علينا."
كان خليل يطمح أن ينهي الثانوية العامة، وفي ليلة الحادثة عاد من العمل ثم ذهب مع شقيقه للنوم في خيمتهما قبل ربع ساعة فقط من الانهيار.
عائلة بدران.. 7 شهداء تحت سقف متصدّع
في شمال غزة، لم تجد عائلة بدران خيارًا سوى استصلاح الجزء المتبقي من منزلهم المقصوف، مثل آلاف العائلات. تظهر صور التقطت قبل يوم من الانهيار حجم التصدع والانحناء الكبير في السقف المدمر بالطابق الأول، مع أعمدة متكسرة وأخرى متدلية.
اعتقدت العائلة أن الجزء المتبقي ما يزال صالحًا للسكن، لكنها اكتشفت أنها كانت تعيش تحت أعمدة هشة انهارت مع ثالث موجة مطر، ما أسفر عن استشهاد سبعة أفراد.
انهيارات أخرى.. ونجاة بأعجوبة
واجهت طواقم الدفاع المدني صعوبة بالغة في انتشال الضحايا مع غياب المعدات الثقيلة، حيث انهار منزل لعائلة البغدادي في حي النصر (3 طوابق) ونجت العائلة التي كانت في الطابق الأرضي، كما انهارت أرضية شقة في تل الهوى تعود لـ ابتسام مهدي، ونجت بفضل خروجها من المطبخ قبل لحظات من الانهيار، بينما سقط جدار في مخيم الشاطئ وأدى لاستشهاد شاب، كما انهار منزل في حي الزيتون دون وقوع إصابات.
تتزايد مخاوف السكان مع وجود مئات المنازل الآيلة للسقوط، وهو ما أدى لموجة نزوح جديدة، كما يحدث مع رامي البراوي الذي يسكن شارع يافا بحي التفاح، إلى جانب 100 فرد يجاورون منزلًا تعرض للقصف وتتساقط منه الحجارة باستمرار.
يجلس البراوي على مسافة آمنة حول موقد نار مع أقاربه، فيما تم تأمين النساء والأطفال في الطوابق الأرضية والأدراج.
يقول لـ "فلسطين أون لاين": "المنزل متهالك ومحترق ومقصوف، أعمدته مائلة على بيوتنا. نسكن حالة رعب، فبين لحظة وأخرى تتساقط كتل إسمنتية كبيرة."
وأضاف: "طلب منا الدفاع المدني مغادرة المكان حتى صباح الغد. لذلك افترشنا الطرقات وأمّنا النساء في الأدراج. إذا سقط المنزل سيسحب أجزاء من منازلنا معه."
وبسبب عدم إدخال المعدات الثقيلة، تعجز الطواقم المختصة عن إزالة الأجزاء المهددة بالانهيار أو هدم المنازل الآيلة للسقوط، مكتفية بالإرشادات ونقل الناس لأماكن آمنة أو قص بعض الأعمدة بالأدوات المتاحة.
وعصر الجمعة انهار منزل لعائلة غزال (4 طوابق)، فيما سقط منزلان آخران في الحي نفسه، ما زاد مخاوف الأهالي من خطر يهدد حياتهم كل لحظة.

