فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

«*وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»* — (القصص: 5).

في قلب الجراح، وبين أنقاض البيوت المهدّمة، تنهض غزة… كيوسف هذا الزمان، الذي أنكروه إخوته، لكنه لم ينكر أهله. مدينة صغيرة، لكنها بحجم أمة، محاصرة لكنها لا تُحاصر، تنزف لكنها لا تنكسر، تُفضح على لسانها كل عروش الزيف، وتتعّرى أمامها التبعية العمياء للهيمنة الأمريكية.

لم تعد (إسرائيل) "دولة" كما زعموا، بل عبئًا أخلاقيًا على البشرية، وفضيحة سياسية وقانونية في وجه ما تبقّى من الإنسانية.

من هذا الركن الصغير في الجغرافيا، تولد مرحلة تاريخية جديدة، وتنبعث كرامة أمةٍ كاملة من رحم غزة الصغير.

في السابع من أكتوبر، اندلع الطوفان… لا كحدثٍ عسكري فحسب، بل كنبوءةٍ تاريخية متحققة. لحظة قلبت الموازين، وأعلنت أن من كان يُظنّ ضحية صار صانعًا للحدث، وأن التحرير لا يُستجدى من المؤتمرات، بل يُنتزع بالصمود والمقاومة. لقد صحّحت غزة البوصلة، وأعادت للضمير العالمي اتجاهه بعد قرنٍ من التيه.

وفي زمنٍ أمريكيٍ ظالم، قامت غزة كمرآةٍ تكشف زيف "الديمقراطيات"، وتفضح ازدواجية الغرب الذي سقطت أقنعته مع أول صرخة طفلٍ تحت الركام.

لم تعد (إسرائيل) دولة قانون، بل عادت سيرتها الأولى: عصابة إبادةٍ وعنصريةٍ مغلّفة بخطابٍ أخلاقيٍ مزيّف.

غزة هي التي أعادت تعريف معنى الشرعية، فأسقطت شرعية السلاح بالحق، وشرعية الاحتلال بالثبات.

ومن بين دخانها، تتشكل ملامح عالمٍ جديد، أكثر عدلًا وصدقًا وإنسانية — عالمٌ سيولد لا من قمم العواصم، بل من رحم غزة الصغير.

غزة اليوم تُسقط وهم التسوية، وتكشف أن طريق التحرير لا يُعبّد إلا بالمقاومة.

غزة رغم المحرقة، أعادت الاعتراف بفلسطين، وثبّتت نفسها حاملًا للهوية الوطنية.

من تحت الأنقاض تبني الوعي، وتزرع معاني الكرامة في زمن الانهيار.

إنها المدينة التي تُقيم الأفراح في الجراح، وتُخرج من تحت الركام ألف منارة.

يريد الاحتلال أن يُفرغها، لكنها تملأ الوجود حضورًا.

يريد أن يطفئها، لكنها تُضيء الشرق كله.

يريد أن يطمسها، لكنها تُنجب من رحمها داوودًا جديدًا، يواجه الوثن بالحجر والكلمة.

غزة لا تبكي، بل تُقاتل — لا من أجل الأرض فقط، بل من أجل كرامة الإنسان ذاته.

في معركة الوعي، انتصرت غزة.

هزمت الرواية الصهيونية، وأطلقت روايتها بدم الشهداء وعدسات الهواتف.

أصبحَت الكلمة جبهة، والصورة مقاومة، والوعي سلاحًا أشدُّ مضاءً من الصواريخ.

ومن أكتوبر 2023، تحوّلت غزة إلى بوصلة الضمير الإنساني، وأيقونةً تلهب الشوارع في لندن ونيويورك ومدريد.

لم تعد فلسطين حكاية بعيدة، بل قضية العالم كله.

واليوم، بينما تتهاوى القمم وتذوب الشعارات، تقف غزة وحيدةً على ركام المذابح، ترسم بدم الشهداء ملامح النظام العالمي القادم.

نظامٌ أكثر عدلًا، أكثر صدقًا، وأكثر إنسانية.

فالمستقبل لن يولد في مكاتب الساسة، بل من دماء أطفال غزة، ومن أظافر شعبٍ يكتب التاريخ وهو يصارع الفناء.

وغزة تهمس للعالم:

لا سلام بلا مقاومة،

ولا عدالة بلا حرية،

ولا ضمير عالمي حقيقي إلا إذا وُلِد من رحم مخاض غزة العسير.

المصدر / فلسطين أون لاين