{وَاصبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ} (لقمان: 17)
هنا، في غزة، حيث تحاول عصابات الإبادة هدم الحجر قبل الإنسان، ارتدت نيران المحرقة عليهم لتقابل صخرة الإيمان والثبات. بين أنقاض البيوت ومقابر مفتوحة، وقف الرجال والنساء والأطفال، يرفعون أعينهم إلى السماء، يهتفون بلا صوت: لن نبرح الأرض، لن نخضع، لن نخضع أبداً.
هنا، حيث الموت يتربص بالصامدين، لم يجدهم إلا واقفين، يزرعون الصبر في نفوس أبنائهم، ويعلّمون العالم أن العزة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأسلحة، بل بعدد القلوب التي تؤمن. هتفوا للكرامة فوق ركام الأيام، ولم يبيعوا شرف المكان، رغم الجوع والخذلان. كانت غزة نارًا لا تُطفأ، أسطورة حيّة لكل حكاية عزّ لا يموت، لكل دمعة تروي الأرض طهرًا.
في غزة يُكتب التاريخ بدماء الأبطال، ويصوغ النصر بصمت الشهداء. غزة لم تهزم، بل هزمت الظلم، وأثبتت أن الإيمان، والثبات، والحق، أقوى من كل نار وجحيم. في قلب المدينة، حيث الحصار يلتف كالحيط، ينبثق نور الثبات ليضيء دروب المؤمنين. الأرض التي يراها العدو مجرد عقبة، تتحول إلى ساحة من مجد الإيمان، حيث كل نفس تستحضر نية الرباط، وكل خطوة وقوف في وجه الظلم والاحتلال. هنا لا معنى للنزوح أو الاستسلام، فالثبات عهد روحي، عمل صالح، ومجابهة لكل مخططات الأعداء.
بالقرآن والذكر والدعاء، وبالإيمان بالقدر والصبر العظيم، يتحول الصمود إلى شعلة تتحدى الظلام، وتظل يد الله الرحيمة تحرس القلوب، تثبت النفوس، فتتحول غزة إلى رمز البطولة، وصوت صارخ في وجه كل من يسعى لتهجير أهلها. في هذه المدينة الطهور، يُكتب التاريخ بعزيمة لا تلين، وبثبات لا يضعف، لتبقى غزة شامخة رغم كل محاولات السلب والقهر، شاهدة على أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وأن العزة بقاء في الأرض، والكرامة حياة في الإيمان.
{وَاصبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان: 17)
في كل يوم وليلة من المحرقة، يخوض أهل غزة معركة بين رغبة الأمان وغريزة البقاء، وبين قرار الثبات على الأرض. لم يكن هناك ملاذ، فالموت يلاحقهم: {يُدْرِككُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} (النساء: 78)، {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (آل عمران: 154).
آلاف الشهداء ارتقوا، بينما ثبت آخرون على الأرض، رافضين مغادرة بيوتهم، مردّدين: "هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون، ولعسقلان عائدون" {لَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} (يوسف: 80).
ثباتهم يلقي بظلاله على كل خطة تهجير وتهديم، أفشل المشروع الصهيوني، وكسر حلم المحتل بالسيطرة على غزة. رغم قصف الأبراج، وتدمير المربعات السكنية والمخابز، وتجويع الأطفال، وحصار لا إنساني، بقي أهلنا الأسطورة صامدين.
اليوم، غزة تواجه مجددًا محاولات تهجير، لكن أهلها أقوى من كل المؤامرات. يعرفون قيمة ثباتهم، ويعلمون أن عزيمتهم أذلت عصابات الإبادة نفسيًا، وجعلت كل خطوة محتملة للعدو خائبة: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (التوبة: 111).
{لَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} (يوسف: 80) — فإما حياة تُسعد الصديق، أو شهادة تغيظ العدا.
الثبات من الله، ليس مجرد مهارة إنسان، بل هو قرار لحظة خوف مرتبكة، مدعوم بالإيمان: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} (إبراهيم: 27).
وفي محيطهم، يجد المرابطون بعضهم البعض، يرفعون هتاف الصمود:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).

