فلسطين أون لاين

تأثرًا بـ "الكرتون".. طفلٌ يطير مع "سبايدرمان" وآخر يعيش مع "الديناصورات"

...
غزة - مريم الشوبكي


طفل يقلد مشي الحيوانات، وغيره يطير مع "سبايدرمان"، وآخر يعيش بخياله مع الديناصورات، هذا كله بسبب مشاهدتهم لقنوات الرسوم المتحركة لفترات طويلة، أمهات هؤلاء الأطفال وغيرهم يشتكين من إصابة صغارهم بشرود الذهن، وضعف التركيز، والعنف، والانطواء، والخجل، والبلادة، وتتساءل هؤلاء الأمهات عن طريقة احتواء أطفالهن، ومعالجة السلوكيات الخاطئة الناتجة عن المحتوى الذي تبثه هذه القنوات، والحيلولة دون التقليد السلبي لأفعال أبطال هذه الرسوم.

يعيش في الخيال

داليا أبو العوف تحدثت عن المشكلة التي واجهت ابن أخيها جراء إدمانه مشاهدة قناة "cn" بالعربية: "هو في الصف الثالث الابتدائي مستواه الدراسي ممتاز، وهو من الأوائل في مدرسته، في الإجازة كان يشاهد قناة CN حتى تعلق فيها بشكل كبير".

وأوضحت لـ"فلسطين": "في الآونة الأخيرة، أصبح واضحا أن الطفل يشرد ذهنيا لفترات طويلة، ومشتت التركيز، ومنعزل"، مبينة: "حينما نسأله عن سبب شرود ذهنه وبماذا يفكر يجيب أنه يفكر في المستقبل، ويبدأ بالحديث عن حياة الديناصورات التي يشاهدها في التلفاز".

وتساءلت أبو العوف عن الطريقة الأنسب للتعامل مع الحالة التي يمر بها ابن أخيها، وإلى من تتوجه كي يعود طبيعيا كما كان في السابق.

الحل في الحديقة

وتعاني "آلاء عبد الباري" تعاني مع ابنها من نفس مشكلة سابقتها، حيث لاحظت تعلقه الشديد ببرامج الأطفال، وتأثيرها الكبير على ذهنه، وتحدثه الدائم بالعربية الفصحى.

وبينت لـ"فلسطين" أنها حينما شعرت بتأثير هذه البرامج على شخصية طفلها، تعاملت فورا مع الأمر حتى تحتوي نتائجه السلبية، حيث تغلق التلفاز والأجهزة الذكية في البيت وترسله للعلب مع أبناء عمه في حديقة المنزل.

أما "أم جهاد صافي" فقد تقمّص طفلها شخصية "سبايدرمان" لتعلقه الشديد بها، فأصبح يقلد حركاته في القفز، حتى أنه صار يصحو من النوم ليحدثها عن أحلامه برفقة "سبايدر" وكيف أنه هرب معه من العنكبوت.

وأشارت صافي لـ"فلسطين" إلى أنها استشعرت الخطر وباتت تراقب ما يشاهده طفلها على التلفاز، وأكثرت من الحديث معه عن سوء ما يشاهده، حتى اهتدت في النهاية إلى حذف القناة التي يتابعها من التلفاز.

في عالم ديناصورات

"إيمان ريس المينا" كان ابنها يعيش في خياله مع الديناصورات وأبطال المسلسلات الكرتونية، الأمر الذي جعله شارد الذهن دائما، ما استدعى انتباهها وجعلها تتعامل بحذر معه وتحاوره فيما يفكر.

وقالت لـ"فلسطين": "لكي أقطع شروده الذهني كنت أرفع صوتي حتى لا أدع له مجالا للشرود، واعتمدت فكرة الخروج معه من المنزل، ومع الوقت تحسن كثيرا لأنه انقطع عن مشاهدة هذه القنوات".

فيما نصحت ايمان أبو القمصان، الأمهات من واقع تجربتها مع أطفالها، بعدم إلغاء القنوات غير هادفة من التلفاز، بل اتخاذ التصرف الصحيح وتوجيه تفكيرهم نحو برامج هادفة كالبرامج الوثائقية.

وبينت أبو القمصان أنها تربط الحاسوب بالتلفاز فيختار طفليها ما يريدان من البرامج الوثائقية، وهي تشاركهما المشاهدة، وبذلك تستطيع مراقبتهما بكل سهولة.

"طفلي كان يقلد الحيوانات التي يشاهدها، لدرجة أنه كان يمشي مثلهم، وحينما يتناول الطعام يصدر صوت (خرخشة) مثل الخراف"، هكذا وصفت "إيمان الجاروشة" الحالة التي وصل إليها طفلها نتيجة مشاهدة قنوات الكرتون، ما اضطرها إلى حذفها نهائيا، وبذلك استطاعت السيطرة عليه.

مراقبة المحتوى

الأخصائية النفسية إكرام السعايدة قالت إن عدة جهات تساهم في التنشئة الاجتماعية للطفل بدءًا من الأسرة، بالإضافة إلى الشارع، والمدرسة، وقنوات التلفزيون، والإنترنت.

وأضافت لـ"فلسطين" أنه نظرا لتعدد القنوات وبرامج الكرتون ومصادر مشاهدتها كالتلفاز والإنترنت، أصبحت تسيطر على تفكير الطفل وتؤثر على سلوكه، وتعلمه قيمًا خاطئة.

ودعت الأمهات إلى التحكم في المشاهد التي يتعرض لها الطفل، لأنها قد تحتوي على مشاهد فيها عنف، وربما تكون منافية للآداب، وكذلك من أنها أن تنمي الخيال غير الإيجابي عنده.

وعن الكيفية التي من خلالها يمكن التحكم بمحتوى هذه القنوات، نصحت السعايدة الوالدين بتخصيص جزء من وقتهما لمراقبة المحتوى الذي يشاهده طفلهما لتنقيته، وكذلك تلبية احتياجاته العاطفية وعدم الانشغال عنه لفترة طويلة، والتفاعل معه بشكل مباشر.

ونبّهت إلى أن الكثير من الأهل يقعون خطأ حذف القناة التلفزيونية مباشرة دون توفير بديل، بينما الصحيح هو القيام بـ"سحب تدريجي"، مع توفير بديل، حتى لا يشعر الطفل بالفجوة والفراغ في حياته.

التفاعل المباشر

وشددت على أن أفضل طريقة لتوجيه تفكير الطفل بعيدا عن القنوات التلفزيونية، هي تفاعله المباشر مع أهله وأقرانه، فهذه التجربة الحقيقية التي تُكسبه المعرفة، والمشاعر، والسلوك الإيجابي.

وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن دراسة حديثة كشفت عن أن أكثر المشاكل التي يواجهها الأطفال بسبب استخدام الأجهزة هي انخفاض الحصيلة اللغوية لديهم، والمعاناة من مشاكل في النطق، مع تشتت الانتباه، وضعف التركيز نتيجة مكوث الطفل لفترات طويلة أمام الأجهزة الذكية والتلفاز.

ونوهت إلى أن ترك الطفل أمام هذه القنوات دون مراقبة، ولساعات طويلة، يكسبه أنماطا سلوكية سلبية كالعنف، والخداع، ويؤثر على ذكائه، ويصيبه بالانطواء والخجل، والإدمان على مشاهدتها يؤدي إلى تراجع المستوى الدراسي، لافتة إلى أن هذه المشاكل تتطور لتصبح اضطرابات نفسية إذا لم يتم علاجها بسرعة.

وأوضحت أن علاج الطفل يرتبط بعدة عوامل، أولها حجم المشكلة عنده، وثانيها إدراك الأهل لها، فهذا يمثل نصف الحل، وثم تقديم العلاج المنزلي له، مشيرة إلى أنه في حال لم يتمكن الأبوان من حل المشكلة، فلا بد من استشارة مختص.

البعض يعتقد أن مشاهدة الطفل لبرامج الكرتون لفترات طويلة تسبب التوحد، لكن السعايدة قالت إن لا يوجد دراسات تثبت ذلك، فالتوحد ينتج عن عوامل مهيأة موجودة لدى الطفل، والمشاهدة لفترات طويلة هي مجرد عامل معزز له، لأنها تفقد الطفل التفاعل والتواصل البصري.