تصاعدت في وسائل الإعلام العبرية خلال الأيام الأخيرة تسريبات تتحدث عن "تقدم" في مفاوضات وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال وحركة حماس، بما يشمل إبرام صفقة تبادل أسرى جديدة.
وتشير التقديرات السياسية إلى أن الحديث عن تقدم في المفاوضات ليس إلا ورقة ضغط إعلامية إسرائيلية موجهة للرأي العام الفلسطيني، وتهدف إلى تحضير الأرضية لقبول صفقة تبادل محدودة تستعيد فيها (إسرائيل) بعض أسراها، دون تقديم أي تنازلات حقيقية على مستوى وقف العدوان أو تحسين ظروف الحياة في القطاع المحاصر.
أهداف دعائية
ويرى مدير مركز "يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية" سليمان بشارات طلال عوكل أن هذه التسريبات الإعلامية تخدم أهدافًا دعائية أكثر من كونها تعكس تقدمًا حقيقيًا في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وقال بشارات لـ "فلسطين أون لاين": "(إسرائيل) تروّج هذه التسريبات لتهيئة الرأي العام الفلسطيني لقبول صفقة تبادل أسرى محدودة، تركز فقط على إعادة بعض الأسرى، بينما يتم تجاهل المطالب الأساسية التي يجب أن تكون على الطاولة".
ويضيف: "ما يجري في الإعلام الإسرائيلي هو نوع من التلاعب النفسي بالشعب الفلسطيني، عبر إعطاء الانطباع بأن هناك تقدمًا كبيرًا في المفاوضات، في حين أن الواقع هو أن (إسرائيل) لم تقدم أي تنازلات جدية لوقف الحرب أو لتحقيق تهدئة شاملة".
وتابع بشارات: "(إسرائيل)، كما جرت العادة في مراحل سابقة، تسعى لفرض حلول جزئية قد تبدو مغرية في ظاهرها، لكنها لا تمس جوهر القضية الفلسطينية، الذي يتعلق بوقف العدوان بشكل كامل، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني".
ويؤكد بشارات أن أي عرض للتهدئة لا يتضمن وقفًا كاملًا لإطلاق النار وانسحابًا من غزة "لن يحظى بقبول فلسطيني، سواء من المقاومة أو من الشارع الذي يئن تحت وطأة الحرب والحصار والتشريد".
ويُضيف: "المطالب الفلسطينية لا تدور حول مجرد تبادل أسرى أو تهدئة مؤقتة، بل هي مطالب جادة لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار، والبدء في عملية إعادة الإعمار، ورفع الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات".
تجميل صورة الاحتلال
ومن جانبه، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي إبراهيم جابر أن الحديث المتكرر في الإعلام العبري عن قرب التوصل إلى صفقة تبادل أسرى لا يعكس بالضرورة تحركات جدية على الأرض، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى امتصاص الغضب الداخلي المتزايد في الشارع الإسرائيلي.
ويقول جابر لـ"فلسطين أون لاين": "حكومة الاحتلال الإسرائيلية تمر بأزمة داخلية متفاقمة نتيجة إخفاقها في إعادة الأسرى، وتواجه ضغوطًا كبيرة من عائلات الجنود، وكذلك من المعارضة. لذلك تلجأ إلى تسريبات محسوبة للحديث عن تقدم في المفاوضات بهدف امتصاص النقمة الشعبية، وليس لدفع عملية تفاوضية حقيقية إلى الأمام".
ويضيف: "ورقة الأسرى أصبحت أداة سياسية داخل إسرائيل، تُستخدم لتخفيف الضغوط الداخلية، وتحسين صورة الحكومة، التي تعاني من تراجع في ثقة الجمهور واتهامات بالفشل الأمني والعسكري".
ويؤكد جابر أن (إسرائيل) لا تسعى إلى تسوية شاملة، بل تبحث عن "صفقة تكتيكية" تخرج منها بعدد من أسراها، دون أن تضطر إلى دفع ثمن سياسي أو عسكري كبير.
ويشرح: "القيادة الإسرائيلية تريد صفقة تُبقي الحرب مستمرة، من أجل تحقيق ما تسميه أهداف الحرب، وفي الوقت نفسه تقدم إنجازًا محدودًا للرأي العام الداخلي، عبر استعادة بعض الجنود أو المدنيين دون وقف شامل لإطلاق النار".
ويرى جابر أن (إسرائيل) تدرك تمامًا أن مثل هذه العروض الجزئية مرفوضة فلسطينيًا، ولذلك تلجأ إلى استراتيجية إعلامية تهدف إلى زرع الأمل الوهمي في الشارع الفلسطيني، وإحداث انقسام داخلي، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.