قال تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) مريم/33.
قال القرطبي:" يوم ولدت يعني في الدنيا. وقيل: من همز الشيطان وجنده عند الولادة, ويوم أموت يعني في القبر. أو من هول المطلع, ويوم أبعث حيا يعني في الآخرة والفزع فيها, لأن له أحوالاً ثلاثة: في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها" انظر:[تفسير القرطبي11/98] وانظر: [تفسير الطبري 8 / 340].
ومما سبق من أقوال المفسرين فإن الآية لا تدل أنه قد مات، وإنما معناه أنه عند موته - وذلك بعد نزوله. فكلامه صلى الله عليه وسلم إنما هو عن أحواله في ولادته، وفي موته، وفي بعثه، ولا شك أنه سيموت.
أما قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/ 159، فقد اختلف أهل العلم في مرجع الضمير في قوله {موته} على قولين:
القول الأول: أن مرجع الضمير إلى عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى u، فإنه إذا نزل من السماء لا يقبل إلا الإسلام، وحينها يؤمن أهل الكتاب به ، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا .. . البخاري 3192 مسلم 220.
القول الثاني: أن مرجع الضمير إلى الكتابي نفسه، والمعنى، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى u، وأنه حق، وأنه لم يمت، وذلك عندما يعاين سكرات الموت.
وعلى كلا القولين السابقين فليس في الآية دليل أو إشارة إلى موته صلى الله عليه وسلم.
وقد رجح الطبري وابن كثير وغيرهما من الأئمة القول الأول، قال ابن كثير:" قال ابن جرير: قيل: يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة. وقال آخرون: يعني بذلك قبل موت صاحب الكتاب، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، " [تفسير ابن كثير 1 / 762].
- وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.