فلسطين أون لاين

​مراعاة القواعد الأصولية في فهم النص (2)

محاضر في كلية الدعوة الاسلامية

  • أن السنة القولية جاءت على سنن كلام العرب في عهد الرسالة, فالمرجع في فهمها إلى اللغة العربية, بما فيها من الحقيقة والمجاز, والكناية والتصريح, والعموم والخصوص, والإطلاق والتقييد, والفحوى, والإشارة, والتنبيه. ولا يكفي ذلك بل لابد من معرفة عادة أهل زمانه وعرفهم في استعمال الألفاظ.

5- أن فهم السنة لا يكفي له فهم المعنى اللغوي الوضعي, وإنما هو محتاج إلى إدراك العرف اللغوي الذي كان موجودًا عند العرب فيما يتكلمون به, والعرف الشرعي الطارئ, الذي قد ينقل اللفظ عن معناه إلى معنى آخر. فالعرب قد يطلقون اللفظ العام ويريدون العام, ويطلقونه ويريدون العام المخصص، وقد يطلقون العام ويريدون الخاص, وقد يطلقون الخاص ويريدون العام.

وكذلك الشأن في عرف الشرع فإنه قد جعل خطاب الواحد بمنزلة خطاب الجماعة، وجعل خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة خطاب الأمة, فما وجب عليه وجب على الأمة إلا ما دل الدليل على استثنائه.

وانطلاقًا من هذا المبدأ قرر الأصوليون عددًا من القواعد مثل: "خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد من الأمة خطاب للأمة". "دخول المخاطب في عموم خطابه". "شمول الخطاب بلفظ جمع المذكر السالم للنساء". "شمول الخطاب العام للعبيد". "شمول الخطاب العام للمعدومين حين الخطاب".

ومن القواعد التي تدخل تحت هذا المبدأ ولها أهمية في فهم السنة: قاعدة "حمل الكلام على عرف المتكلم". وقاعدة "العرف الشرعي مقدم على الوضع اللغوي".

6- أن السنة لا يمكن أن تأتي بتشريع يخالف بدائه العقول أو يخالف القطعيات من الأدلة النقلية.

وهذا المبدأ قرره الأصوليون والمحدثون على حد سواء، وهو مبدأ مهم في فهم ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار, فلا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح.

وهذا المبدأ مقرر عند المحدثين فقد روى الرامهرمزي أنه قيل لشعبة "من أين تعلم أن الشيخ يكذب؟ قال: إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه يكذب "

وروى عن عمرو الأنماطي تكذيبه لحماد المالكي لكونه روى عن عمر أنه قال: لسارق: ما حملك على هذا؟ قال القدر، فقطع يده وجلده أربعين جلدة، وقال: قطعت يدك لسرقتك وضربتك لفريتك على الله، فقال عمرو الأنماطي لراوي الخبر عن عمر: لو أفترى على عمر كم كان يضربه؟ قال: ثمانين, فقال: يفتري على الله يضرب أربعين، ويفتري على عمر يضرب ثمانين والله لا تفارقني حتى استعدي عليك فأقر أنه لم يسمعه من الحسن، وحلف ألا يحدث به.

ومما وضعه الأصوليون من قواعد تحت هذا المبدأ قاعدة "كل أمر خطير ذي بال يقتضي العرف نقله إذا وقع تواتراً، إذا نقله آحاد فهم مكذبون فيه, منسوبون إلى تعمد الكذب، أو الزلل ".

وقاعدة "لا يجوز على الجماعة العظيمة كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته "العدة 3/852, وهذه القاعدة رد على العقلانيين ومنكري خبر الآحاد في العقيدة.

ومن تطبيقات السلف لذلك المبدأ ما فعلته عائشة رضي الله عنها حين توقفت في قبول حديث: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه", حيث جاء في صحيح البخاري أنها قالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه, إنه ليعذب بخطيئته وذنبه, وإن أهله ليبكون عليه الآن", إنما مر رسول الله على يهودية يبكي عليها أهلها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها "وقالت حسبكم القرآن: [وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] {الأنعام:164}. وبهذه القاعدة ردت خبر "الشؤم في ثلاثة".