فلسطين أون لاين

وسط معاناة الحصول على الإنترنت في غزَّة

ديانا عزَّام... باحثة تكابد الصِّعاب لإكمال رسالة الدُّكتوراه

...
ديانا عزَّام... باحثة تكابد الصِّعاب لإكمال رسالة الدُّكتوراه
غزة/ صفاء سعيد:

على الرصيف قرب مزود إنترنت في مدينة غزة، تجلس ديانا عزام، باحثة الدكتوراه التي كانت يومًا ما تُنهي أبحاثها داخل مكتبتها الخاصة، لكنها اليوم تفتح جهازها المحمول تحت السماء المكشوفة، باحثة عن إشارة إنترنت تساعدها على استكمال دراستها التي كادت أن تضيع وسط أهوال الحرب.

ديانا، البالغة من العمر (35 عامًا)، متزوجة ولديها ثلاثة أبناء، كانت قبل السابع من أكتوبر على وشك الانتهاء من رسالة الدكتوراه، ولم يتبقَّ لها سوى تسع ساعات دراسية، إلا أن استكمال هذه الساعات التسع استغرق أكثر من 15 شهرًا بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

عدوان أوقف كل مناحي الحياة في القطاع، ومن ضمنها مراحل إنجاز رسالة الدكتوراه لديانا، التي لم تكن تتخيل يومًا أن رحلتها الأكاديمية ستتحول إلى صراع يومي مع الأوضاع المأساوية في غزة. ففي بداية الحرب، اضطرت ديانا للنزوح مع عائلتها إلى جنوب القطاع، هربًا من القصف الذي طال حي تل الهوى حيث كانت تعيش.

عام وخمسة أشهر من المشقة والمعاناة، وشهور من التهجير القسري داخل الخيام، عاشتها ديانا كما عاشها باقي أبناء الشعب الفلسطيني، لكن حبها للعلم دفعها للعودة إلى الدراسة في نوفمبر من العام الماضي 2024، بعدما استأنفت الجامعة الإسلامية الدراسة فيها بشكل إلكتروني.

تقول لصحيفة "فلسطين": "كان فصلًا متعبًا جدًا في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها في الخيام، بسبب نقص المياه والمواد الغذائية وأزمة الطحين، بالإضافة إلى المهام اليومية من عجين وغسيل الملابس، التي تستنزف جل وقت السيدات."

وتضيف: "لا يمكن أيضًا أن ننسى المأساة الكبرى، وهي البرد القارس في الخيام، خاصة في ساعات المساء، ناهيك عن الأيام التي غرقت فيها خيمتنا خلال فصل الشتاء، عندما كنت نازحة في جامعة الأقصى بخان يونس."

ورغم انشغالاتها العديدة، إلا أن ديانا عملت كمدرسة لمادة العلوم مع مؤسسة النيزك بدعم من اليونيسيف داخل جامعة الأقصى، كما درّست في مدرسة السلام ومدرسة صناع الأمل في خان يونس طوال فترة الحرب.

روتين حياة مرهق

كان يوم ديانا يبدأ من الساعة الثانية صباحًا، حيث تدرس للجامعة وتنجز واجباتها، ثم تظل مستيقظة حتى السابعة إلا ربع صباحًا، لتبدأ بعدها عملها في تدريس الطلبة. وتوضح: "درّست طلبة من الصفوف الابتدائية والإعدادية من مختلف محافظات قطاع غزة."

قررت ديانا وعائلتها العودة إلى مدينة غزة وإلى حي تل الهوى، حيث وُلدت وعاشت، إلا أنها صُدمت من هول الدمار والإبادة التي لحقت بكل شيء في المنطقة. عادت لتجد أن الحياة لم تعد كما كانت؛ فشبكات الكهرباء والإنترنت شبه منعدمة، والمكتبات والمراكز البحثية التي كانت تعتمد عليها إما دُمّرت أو أُغلقت بسبب الحرب.

على مدار أشهر الحرب، قطعت ديانا شوطًا طويلًا في إنجاز رسالة الدكتوراه، وكان لزامًا عليها أن تستكمل ما تبقى منها. وهكذا، باتت يوميًا تكابد للحصول على بضع ساعات من الإنترنت، متنقلة بين بسطات الإنترنت التي انتشرت في شوارع غزة كحل بديل عن الانقطاع المستمر.

تقول: "كل خطوة تحتاج إلى جهد مضاعف، حتى إرسال بريد إلكتروني قد يستغرق ساعات من الانتظار على الرصيف، سواء في البرد القارس أو تحت أشعة الشمس الحارقة."

إصرار رغم الصعاب

ورغم كل العقبات، ترفض ديانا الاستسلام، فهي تدرك أن الحرب سرقت منها الكثير، لكنها لن تسمح لها بسرقة حلمها الأكاديمي. تحاول قدر المستطاع ترتيب أوراقها، استكمال ما يمكن استكماله من بحثها، ومراسلة أساتذتها كلما سنحت لها فرصة ولو قصيرة للوصول إلى الإنترنت.

"لن أترك كل هذا المجهود يضيع، سأكمل دراستي مهما كان الثمن"، تقول ديانا بصوت يملأه التحدي، فيما تفتح حاسوبها المحمول مجددًا على أمل أن تعود الإشارة للحظات، تمكنها من إرسال فصل جديد من بحثها.

ديانا ليست الوحيدة التي تواجه هذه المعاناة، فالكثير من طلبة الجامعات والباحثين في غزة يكافحون يوميًا للوصول إلى أبسط حقوقهم التعليمية. لكن في عيونها، كما في عيون كثيرين، يتجلى الأمل رغم الدمار؛ الأمل بأن يعود الإنترنت، بأن تعود الحياة، وبأن يكون مستقبلها الأكاديمي شاهدًا على صمودها، لا على استسلامها.