في ظل ما يتعرض له رموز المقاومة الإسلامية عبر التاريخ من همز ولمز بعدما كتبه الدكتور يوسف زيدان عن صلاح الدين من كلام لا يليق بحجم هذا الرمز الإسلامي وأيقونة المقاومة، كان لا بد لنا في هذا المقال من التذكير بحدث مهم عاشته القدس في مثل هذه الأيام من شهر صفر الخير حيث حررها واحد من أحفاد صلاح الدين وهو الصالح نجم الدين أيوب بعد أن أعيد احتلالها.
كان التنازل عن بيت المقدس صدمة مزلزلة للمسلمين، الذين ترحَّموا على صلاح الدين وجنوده المجاهدين الذين بذلوا أرواحهم من أجل تحريره؛ ليأتي ذلك الملك الخانع الكامل الأيوبي ليتنازل عنه لشرذمة من الصليبيين دون أي مقاومة. ومن ثَمَّ كان من أهم آمال المسلمين إعادة تحرير الأقصى؛ حتى قيَّض الله للأمة السلطان المجاهد نجم الدين أيوب الملقَّب بالملك الصالح، الذي عمل على تحرير المقدسات.
في 17 أكتوبر 1244م / 13 جمادي الأولى 642 هـ اصطدم الجمعان الإسلامي والصليبي في شمال شرقي غزة في معركة عرفت أيضاً باسم معركة الحربية أو معركة لافوربي (La Forbie). وكان الصليبيون في ميمنة جيش الشام بأكبر جيش دفعوا به إلى ميدان القتال منذ معركة حطين، وفي الميسرة عسكر الكرك والعربان، وفي القلب المنصور صاحب حماة. وهجم الخوارزمية علي العسكر الشامي بينما تصدى المصريون للصليبيين، وانهزم المنصور وفر الوزيري وأسر الظهير الحلبي، واحيط بالصليبيين الذين حصر جيشهم بين الخوارزمية والمصريين، ولم يفلت منهم أحداً إلا من تمكن من الفرار، وقدر عدد القتلى من الصليبيين بأكثر من 5000 قتيل، من بينهم مقدم الداوية ورئيس أساقفة صور وأسقف الرملة. وانهزم الحلف الشامي-الصليبي هزيمة منكرة خلال عدة ساعات فقط، وفر المنصور إلى دمشق. ووصلت بشارة النصر إلى الملك الصالح أيوب في 15 جمادي الأول فزينت القاهرة وقلعتي الجبل والروضة، وسيق الأسرى إلى القاهرة، وكان من بينهم كونت يافا ومقدم الاسبتارية، وطيف بهم في الشوارع وهم محملين على الجمال، ودخلت القوات المصرية والخوارزمية القدس وحررتها في 3 من صفر 642هـ/ 11 من يوليو 1244م؛ ليتحرر المسجد الأقصى نهائيًّا من أيدي الصليبيين، ولم يجرؤ جيش صليبي أن يدخلها مدة سبعة قرون، حتى دخلها الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
وقد كان الملك الصالح نجم الدين حاكمًا صالحًا، ومجاهدًا في سبيل الله، يحب العلم، ويقدّر العلماء، وهو مَن استضاف سلطان العلماء العز بن عبد السلام -رحمه الله- بعد أن ضيَّق عليه الخائن الصالح إسماعيل سلطان دمشق، وكان نجم الدين يلتزم برأي العز، ولا يخالفه؛ لذا لمَّا أعلمه بوجود حانات للخمور أسرع بإغلاقها. وبالجملة كان نجم الدين أيوب أفضل حاكم أيوبي بعد صلاح الدين.