فلسطين أون لاين

​"أعياد الميلاد" في "الروضة".. سعادةٌ لطفل و"عقدةُ نقصٍ" لآخرين

...
غزة - مريم الشوبكي

أصبح تنظيم حفلات "أعياد الميلاد" في رياض الأطفال أمرا مألوفا، حتى أن بعض الرياض تتنافس في إقامة الأجمل والأفخم منها، مع التقاط الصور للمحتفلين ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الملاحظ، في كثير منها، طغيان البذخ والتكاليف العالية التي لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة تعيشها أغلب الأسر في قطاع غزة، لذا فهي لا تروق لكثير من الأهالي، الذين يرون أن لها تأثيرات سلبية على نفس الأطفال الذين لا تتمكن أُسرهم من تنظيم احتفالات كبيرة لهم.

بغض النظر عن الحكم الشرعي للاحتفال بيوم الميلاد، فإننا في التقرير التالي نناقش التأثير النفسي للحفلات المُقامة في رياض الأطفال على زملاء الطفل المُحتَفل به..

أقل التكاليف

"نهال لولو" تهتم بإقامة حفلات "أعياد ميلاد" لأطفالها في روضات الأطفال التي يدرسوا فيها، بهدف إدخال الفرحة على قلوبهم، ولكنها تتعمد عدم المبالغة في التكاليف، فتكتفي بشراء قالب حلوى، مع تحضير بعض أصناف أخرى بسيطة في البيت.

قالت لولو لـ"فلسطين" : "لا أرى مانعا من إقامة أعياد ميلاد، لأبنائي حيث ألمس أنهم يشعرون بمدى اهتمامي بهم وبذلي جهدا في إسعادهم، ويمكن لأي أسرة إدخال إسعاد طفلها بأقل التكاليف، فالهدف هو إسعاده وليس الاستعراض".

تكاليف باهظة

وترفض "عفاف أبو سيدو" مظاهر البذخ التي تطغى على حفلات "أعياد الميلاد" في بعض الروضات، لأنها تثير الغيرة لدى أقرانهم ممن لا تستطيع أسرهم مجاراة هذه الاحتفالات.

وقالت أبو سيدو لـ"فلسطين": "قبل فترة جاءتني ابنتي تحمل كيسا من السكاكر والحلوى والشوكولاتة بالإضافة إلى صورة زميل لها، أقامت له والدته احتفالا في الروضة، وتقول لي أريد أن تطبعي لي صورة كهذه في عيد ميلادي القادم".

وأضافت : "ذُهلت من التكاليف الباهظة التي صرفتها هذه العائلة على الحفل، فالهدايا وُزّعت على أطفال الروضة جميعا، وقوالب الكيك متعددة وبأحجام كبيرة بما يفوق عدد الأطفال، ناهيك عن المهرج الذي استأجرته، والعصائر والمشروبات التي قدمتها أيضا".

وتابعت: "معظم الأطفال في هذه الروضة من عائلات ميسورة، ولكن بعضهم ليسوا كذلك، وهذا يثير الغيرة في نفوس زملاء الطفل صاحب عيد الميلاد، كما حصل مع ابنتي، فأنا لست قادرة على تنظيم حفل مشابه لها".

وحثت إدارة الروضات على وضع محددات عامة لحفلات أعياد الميلاد، كتحديد سقف لتكاليف الحفل.

"رندة صافي" رَوت موقفا حدث مع طفلتها في: "لم أعود أبنائي على الاحتفال بأعياد ميلادهم، ولكن عند التحاق ابنتي بالروضة فوجئت بأن الحفلات أساسية في نظامها، حيث تنظم حفلا في كل شهر للمولودين فيه، وهذا الأمر آثار غيرة طفلتي التي ألحت علي بصنع حلوى للاحتفال بعيد ميلادها في الروضة".

وأوضحت: "صنعت لها قالبا من الكيك في المنزل واشتريت بعض المشروبات، ولدعم ابنتي رافقتها لمشاركتها الاحتفال، ولكني صدمت حينما وجدت أنني الأم الوحيدة التي اهتمت بمشاركة طفلتها فرحتها، بالإضافة إلى كميات الحلوى والكيك والمسليات التي ُفردت على الطاولة، والتي فاقت حاجة الأطفال، فتقاسمت المعلمات هذه المأكولات وأخذنها إلى بيوتهن".

محددات للاحتفال

بيّنت مديرة روضة أحباء الطفل "هبة الريس" أن روضتها وضعت محددات لحفلات "أعياد الميلاد" في الروضة، بحيث يقتصر الاحتفال على زملاء الطفل في الفصل فقط، وأن يكون بأقل التكاليف.

وقالت: "وضع محددات للاحتفال يهدف لتنشئة الطفل على الأخلاق والمبادئ بعيدا عن البذخ والرقص المبالغ فيه، وعدم إعطاء هذه الاحتفالات أكبر من قيمتها، وحتى لا يعتاد على إقامتها سنويا"

وأضافت أن البذخ في هذه الحفلات يؤثر على نفسية الأطفال الآخرين، ويزرع فيهم الغيرة من زملائهم، لأن أولياء أمورهم غير مقتدرين ماديا لإقامة مثلها لهم.

الحفل للجميع

ومن جهتها، قالت مديرة روضة دنيا الأطفال هياثم عجور: "لإقامة أعياد الميلاد نظام لدي، حيث أخصص كل شهرين، يوما للاحتفال بمواليد هذي الشهرين، وأبلغ ذوي الأطفال الذين تصادف أعياد ميلادهم الفترة المحددة بأن يرسلوا مع أبنائهم ما يلزم للاحتفال، حسب رغتهم".

وأضافت عجور لـ"فلسطين": "أجعل هذا اليوم مفتوحا لكل الأطفال لمشاركة زملائهم الفرحة بجلب ما يريدون من الأطعمة".

وتابعت: "في هذه الحفلات يتغيب بعض الأطفال لأن أسرهم غير قادرة على توفير مستلزمات الحفل، ولكني أطلب من أولياء الأمور عدم منع أبنائهم من الحضور إلى الروضة".

تقنين النفقات

وفي ذات السياق، قالت الأخصائية النفسية إكرام السعايدة إن إقامة حفلات أعياد الميلاد مرهون بالوضع الاقتصادي للعائلة، ورغبتها بإدخال الفرح على الابن.

وأضافت لـ"فلسطين": "لا داعي للبذخ في هذه الحفلات، ولكن في نفس الوقت يجب احترم رغبات الناس".

وعن الطفل الذي يُنظَّم لأجله حفل عيد الميلاد، أوضحت: "اهتمام الأهل بالأمر يعزز درجة الوصل بين الطفل والأسرة، ويعزز ثقته بنفسه، ويزيد من أواصر المحبة والتواصل الأسري، ويعطي الطفل مساحة من المسئولية، وإثبات الذات، بالإضافة إلى أن دعوة مجموعة معينة من الأطفال المقربين يعلّمه الاهتمام بالفقراء منهم".

وتابعت: "في نفس الوقت، تثير هذه الحفلات حفيظة الأطفال الآخرين، وتشعل غيرتهم، والتي قد تتطور لتصل إلى العداوة والكراهية، كما أن نشر صور الحفل على صفحات الروضة على مواقع التواصل تثير الغيرة لدى الأهالي وقد تزيد نقمتهم على أسر هؤلاء الأطفال لعدم قدرتهم على رغبات أطفالهم.

وقالت السعايدة: "نقدر فرحة الأهالي بإقامة "أعياد ميلاد" أطفالهم، ولكن هذا لا يمنع تقنين النفقات التي تعلم أطفالهم تحمل المسئولية وإدارة مالهم بشكل صحيح، ويمكن للأم اعتماد أسلوب الإعداد المنزلي لكي ترسم تفاصيل مهمة في يوم ابنها بلمستها الخاصة".

وحثت إدارة الروضة بإخبار أولياء الأمور بالإطار العام لإقامة هذه الحفلات وميزانيتها ولمراعاة مشاعر الأطفال الآخرين، وعليها أيضا أن تشرك والأطفال الأكثر حاجة بالاحتفال لرسم البسمة على شفاههم، وعلى الصعيد الآخر غرس لدى الطفل المقتدر قيمة العطاء والرفق بالأطفال المحتاجين.