فلسطين أون لاين

حرب غزَّة تسرق فرحةَ الطِّفلة "شام".. قصَّة إنسانية مؤثرة

...
خان يونس/ يحيى اليعقوبي

كانت الطفلة شام تحب أن تحتفل بعيد ميلادها كل عام في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول، رغم المجاعة والحصار وحرب الإبادة التي دمرت كل شيء في شمال قطاع غزة. دخلت شام منزل عمتها في ذلك اليوم لتجد قالب "كيك" قد أُعد بصعوبة في ظل شح المستلزمات، لترتسم السعادة على وجهها وهي تضيء شمعة ميلادها الثامن.

لكن شام لم تدرك أن تلك كانت آخر لحظات الفرح في حياتها القصيرة، حيث ذهبت إلى منزل عمتها لإحضار ألعابها بعد نسيانها هناك، قبل أن يستهدف القصف "الإسرائيلي" المنزل بعد ساعة واحدة فقط، في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعزبة بيت حانون شمال القطاع.

مأساة عائلة ناصر

يروي والد شام، محمود وصفي ناصر، بقلب مكلوم تفاصيل اللحظة المروعة: "قُصف منزل شقيقتي وفقدت فيه سبعة من أفراد عائلتي، هم أختي هيفاء، وابنها محمد، وابنتها أروى، وأخي أحمد، وابنتي شام، وأبناء عمي إياد وياسر ناصر. نقلنا اثنين من المصابين بحالة متوسطة إلى مستشفى كمال عدوان بواسطة عربة يجرها حمار، وسط القصف والقذائف".

يضيف محمود: "ظلت شام وعمها أحمد ينزفان بعد القصف، لكن صعوبة النقل والوقت المستغرق لإنقاذهم أديا إلى استشهادهما. لم أستطع فعل شيء سوى مشاهدة أنينهم، وأنا عاجز عن المساعدة. هذه اللحظات لا تفارقني، وصورتهم وهم يودعون الحياة تطاردني كل ليلة".

قبل أيام من المأساة، عاش محمود فرحة عابرة مع طفلته، عندما التقط صورة لها وهي تمسك قالب الكيك المعد يدوياً بصعوبة بالغة. كانت عمتها قد استخدمت أخشاب أشجار بيت حانون لإشعال النار، نظراً لمنع الاحتلال إدخال غاز الطهي إلى شمال القطاع منذ بداية الحرب.

وقفت الطفلة شام في وسط طريق محاط بالدمار، مرتدية أجمل ثيابها بلون فضي، مع شعرها الذهبي وابتسامتها التي بدت كأنها بقعة ضوء وسط الظلام.

"الموت واحد"

رغم طلب والدها منها البقاء في المنزل خوفاً من القصف المفاجئ، كانت شام ترد ببراءة تنبض بالحكمة: "الموت واحد، إن كان هنا أو في أي مكان آخر. وإذا أتى الموت لن نستطيع الهرب منه".

يتذكر والدها بحزن شديد: "ذهبت شام لإحضار ألعابها من بيت عمتها، لكن الموت كان أسرع منها. كنت سعيداً أنني استطعت إسعادها يوم ميلادها، رغم صعوبة توفير الكيك بسبب نقص السكر، حيث اشتريت كيلو السكر بأضعاف ثمنه".

نجت شام من الموت مرات عديدة قبل استشهادها. عند استهداف منزل عمها بحي تل الهوا في مدينة غزة، دُمرت العمارة السكنية بالكامل، باستثناء الطابق الذي كانت فيه مع أمها وأخواتها. ثم نزحت العائلة إلى مستشفى الهلال الأحمر، حيث تعرضت شام لقصف جديد ولم تُصب.

عادت الطفلة إلى شمال القطاع في ديسمبر 2023، لتواجه القصف والتجويع والتشرد. أصيبت بحروق طفيفة مع أخواتها في مدرسة الكويت التي نزحت إليها، وأصيبت أمها بشظايا في الرأس. كما نجت من قذيفة أصابت عيادة الأونروا في معسكر جباليا.

حياة من المعاناة

يصف والد شام العام السابق بأنه يعادل أعواماً كثيرة من الألم والمعاناة: "في الشتاء يبدو الوقت طويلاً جداً، وكأن الساعة تتوقف ليلاً. نعيش في خوف وخذلان، والجميع هنا أجساد خاوية دون أرواح. حتى الطعام لم يعد أولوية في ظل الرعب المستمر".

يتحدث محمود عن الوضع الطبي الكارثي: "الإصابات الطفيفة هي التي لا تنزف أو لا تؤدي إلى بتر. إن كنت محظوظاً ووجدت من ينقلك، فإن طريقة النقل قد تضاعف إصابتك سوءاً. أما في المستشفى، فقد تنتظر على بلاط الاستقبال حتى يأتي أجلك بسبب نقص العلاج".

كانت قصة شام جزءاً من مأساة يومية يعيشها سكان قطاع غزة، حيث يختلط الموت بالحياة، ولا يتوقف الألم.

المصدر / فلسطين أون لاين