كشفت الدكتورة ماهيم قريشي، جراحة الأوعية الدموية في لندن، عن التحديات الإنسانية الهائلة التي تواجه الفرق الطبية العاملة في قطاع غزة.
قريشي، التي انضمت إلى جهود اللجنة الدولية للإنقاذ (IRC) لتقديم الدعم الطبي في غزة، قالت إنها قررت المشاركة بعد أن علمت بأن أكثر من 10 أطفال يفقدون أطرافهم يومياً بسبب حرب الإبادة.
وأضافت في تصريحات نشرتها مجلة "BMJ": "كجراحة متخصصة في الأوعية الدموية وقادرة على إجراء عمليات البتر بسرعة والتحكم في النزيف، كنت أعلم أنني قادرة على المساعدة".
رحلات طبية محفوفة بالمخاطر
قامت قريشي برحلتين طبيتين إلى غزة، الأولى إلى مستشفى الأقصى في أبريل 2024، والثانية إلى مستشفى ناصر في نوفمبر من العام نفسه. واجهت خلالهما تحديات لوجستية وإنسانية جسيمة.
وقالت: "في مستشفى ناصر، علمت أن جراحاً زميلاً كان يعمل هناك في فبراير عندما اجتاح الجنود الإسرائيليون المستشفى، مما أدى إلى تدمير أجزاء منه وإسقاط أماكن الإقامة. كانت هناك جهود كبيرة لإعادة تشغيله، لكننا كنا نعلم أننا لسنا في مأمن في غزة".
وأشارت قريشي إلى أن نصف مستشفيات غزة البالغ عددها 36 قد خرجت من الخدمة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
وأضافت: "أكثر من 45 ألف شخص قُتلوا في غزة خلال الـ14 شهراً الماضية، وأكثر من 100 ألف أصيبوا بجروح. العمل في مثل هذه الظروف يتطلب جراحة سريعة لإنقاذ الأطراف المتضررة، خاصة في حالات الإصابة بجروح الانفجارات التي تؤدي إلى بتر الأطراف".
وأوضحت أن العديد من المرضى كانوا يعانون من إصابات خطيرة بسبب الشظايا، والتي تتسبب في تدمير الأنسجة الرخوة وتتطلب إعادة توصيل الأوعية الدموية. وقالت: "كانت هناك حالات مؤلمة، خاصة عندما كنا نعجز عن إنقاذ بعض المرضى بسبب نقص الإمكانيات. كما لاحظت ارتفاعاً كبيراً في حالات بتر الأطراف بسبب مرض قدم السكري، وهو ما يعكس سوء التغذية ونقص الرعاية الطبية".
معدلات عدوى مرتفعة ومعدات ناقصة
من أكثر الأمور التي أثرت في قريشي هو معدل العدوى بعد العمليات الجراحية، الذي وصل إلى 100% تقريباً. وقالت: "هذا أمر لا مفر منه في ظل الاكتظاظ الشديد ونقص المياه والإمدادات الطبية. كنت أشعر بالحزن الشديد عندما أرى مرضى لا نستطيع مساعدتهم أو أولئك الذين يفقدون حياتهم بسبب نقص الإمكانيات".
على الرغم من التحديات، تمكنت قريشي من تدريب طلاب الطب والأطباء الجدد في غزة. وأضافت: "كانت فرصة لتعليم بعض المهارات الجديدة، مثل إجراء عمليات البتر دون استخدام المناشير الكهربائية، والتي كانت مفقودة في بعض الأحيان. كان زملائي الفلسطينيون يتمتعون بخبرة كبيرة، لكنهم كانوا بحاجة إلى الدعم المعنوي والتقني".
وأشادت قريشي بالدعم الذي قدمته اللجنة الدولية للإنقاذ، قائلة: "شعرت بدعم كبير من التخطيط اللوجستي الخبير للجنة، والذي مكننا من مساعدة الزملاء الفلسطينيين الذين يواجهون إصابات جماعية يومياً. كما قدمت اللجنة إحاطات نفسية قائمة على الأدلة، والتي كانت مفيدة جداً عند عودتي إلى المنزل".
تحديات إنسانية مستمرة
من جهته، حذر بارت ويتفين، مدير اللجنة الدولية للإنقاذ في الأراضي الفلسطينية، من أن التمويل المقدم لتلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة غير كافٍ. وقال: "نواجه وضعاً يعيش فيه 98% من السكان في حالة من الحاجة الإنسانية. حتى موظفونا يعيشون في خيام بسبب النزوح. نحن ندعو إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى غزة بحرية".
واختتمت قريشي حديثها برسالة أمل، قائلة: "أعتقد أن أهم ما قدمته هو الدعم المعنوي والإيجابية التي جلبناها معنا. عندما وصلنا إلى غزة، شعر الطاقم الطبي بأن العالم قد نسي معاناتهم. لكنني أؤمن بأن اهتمام القراء ودعمهم سيشكل فرقاً كبيراً لهم. نحن بحاجة إلى مزيد من الدعم لإنقاذ الأرواح في غزة".
يذكر أن اللجنة الدولية للإنقاذ تواصل تقديم الدعم الطبي والإنساني في غزة، حيث تم توفير أكثر من 45 طناً من الإمدادات الطبية وتنظيم آلاف الاستشارات الطبية عبر فرق متنقلة.